بهم مصائب، والإعلام بأنها حسنى كيف تصرفت، وتَرَبَّصُونَ معناه تنتظرون و «الحسنيان» الشهادة والظفر، وقرأ ابن محيصن:«إلا احدى الحسنيين» بوصل ألف إِحْدَى.
قال القاضي أبو محمد: وهذه لغة ليست بالقياس وهذا مثل قول الشاعر: [الكامل] يا أبا المغيرة رب أمر معضل وقول الآخر: [الكامل] إن لم أقاتل فالبسيني برقعا وقوله بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ، يريد الموت بأخذات الأسف، ويحتمل أن يكون توعدا بعذاب الآخرة، وقوله أَوْ بِأَيْدِينا، يريد القتل وقيل بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ يريد أنواع المصائب والقوارع وقوله: فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ وعيد وتهديد، وقوله: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً سببها: أن الجد بن قيس حين قال: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي [التوبة: ٤٩] قال إني أعينك بمال فنزلت هذه الآية فيه وهي عامة بعده، والطوع والكره يعمان كل إنفاق، وقرأ ابن وثاب والأعمش «وكرها» بضم الكاف.
قال القاضي أبو محمد: ويتصل هاهنا ذكر أفعال الكافر إذا كانت برا كصلة القرابة وجبر الكسير وإغاثة المظلوم هل ينتفع بها أم لا، فاختصار القول في ذلك أن في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن ثواب الكافر على أفعاله البرة هو في الطعمة يطعمها» ونحو ذلك، فهذا مقنع لا يحتاج معه إلى نظر وأما ما ينتفع بها في الآخرة فلا، دليل ذلك أن عائشة أم المؤمنين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله: أرأيت عبد الله بن جدعان أينفعه ما كان يطعم ويصنع من خير فقال: «لا إنه لم يقل يوما، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» ، ودليل آخر في قول عمر رضي الله عنه لابنه: ذاك العاصي بن وائل لا جزاه الله خيرا وكان هذا القول بعد موت العاصي، الحديث بطوله، ودليل ثالث في حديث حكيم بن حزام على أحد التأويلين: أعني في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف لك من خير، ولا حجة في أمر أبي طالب كونه في ضحضاح من نار لأن ذلك إنما هو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وبأنه وجده في غمرة من النار فأخرجه، ولو فرضنا أن ذلك بأعماله لم يحتج إلى شفاعة، وأما أفعال الكافر القبيحة فإنها تزيد في عذابه وبذلك هو تفاضلهم في عذاب جهنم، وقوله: أَنْفِقُوا أمر في ضمنه جزاء وهذا مستمر في كل أمر معه جواب فالتقدير: إن تنفقوا لم يتقبل منكم، وأما إذا عري الأمر من جواب فليس يصحبه تضمن الشرط.