للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: وهذا التعليق بآدم صلى الله عليه وسلم شاذ بعيد والاعتراض فيه باق، وليس هذا مما يتخيل أن الشاعر قصده، وإنما أراد العبيد فساقته القافية إلى العباد، إذ يقال ذلك لمن تملك ملكة ما وقد ذكر أن عرب الحيرة من العراق إنما سمّوا العباد لأنهم دخلوا في طاعة كسرى فدانتهم مملكة، وذكر الطبري عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرأ «وعابد الشيطان» بفتح العين والدال وكسر الباء وألف قبلها وذكر الشيطان بدل الطاغوت فهذه قراءات فيها ألف، وقرأ ابن عباس فيما روى عن عكرمة وقرأها مجاهد ويحيى ابن وثاب «وعبد الطاغوت» بضم العين والباء وفتح الدال وكسر التاء، وذلك جمع عبد كرهن ورهن وسقف وسقف، وقال أحمد بن يحيى ثعلب هو جمع عابد كشارف وشرف، ومنه قول القينة:

ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معلقات بالفناء

وقال أبو الحسن الأخفش: هو جمع عبيد وأنشد:

أنسب العبد إلى آبائه ... أسود الجلدة من قوم عبد

وقرأ الأعمش وغيره «وعبّد الطاغوت» بضم العين وشد الباء المفتوحة وفتح الدال وكسر التاء وذلك على جمع عابد كضارب وضرب. وقرأ إبراهيم النخعي وأبو جعفر بن القعقاع والأعمش في رواية هارون «وعبد الطاغوت» بضم العين وكسر الباء وفتح الدال وضم التاء كما تقول ضرب زيد، وضعّف الطبري هذه القراءة وهي متجهة، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ «وعبدت الطاغوت» كما تقول ضربت المرأة، وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود «وعبد الطاغوت» بضم العين وفتح الباء والدال وكسر التاء، وهذا أيضا بناء مبالغة اسم مفرد يراد به هنا الجمع بني كحطم ولبد، وروى عكرمة عن ابن عباس: «وعبّد الطاغوت» على وزن فعل بضم الفاء وشد العين المفتوحة وفتح اللام ونصب التاء وهذه تتخرج على أنه أراد وعبدا منونا ثم حذف التنوين كما قال، ولا ذاكر الله، وقد تقدم نظيره والطَّاغُوتَ كل ما عبد من دون الله من وثن أو آدمي يرضى ذلك أو شيطان، وقد استوعبت تفسيره في سورة البقرة، و «مكان» يحتمل أن يريد في الآخرة، فالمكان على وجهه أي المحل إذ محلهم جهنم، وأن يريد في الدنيا فهي استعارة للمكانة والحالة، وسَواءِ السَّبِيلِ وسطه ومنه قول العرب قمت حتى انقطع سوائي، ومنه قوله تعالى: فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات: ٥٥] وخط الاستقامة في السبل إنما هو متمكن غاية التمكن في الأوساط فلذلك خص السواء بالذكر، ومن لفظ السواء قيل خط الاستواء.

قوله عز وجل:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦١ الى ٦٤]

وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>