للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقريش، وكان نمرود وأهل مدينته عبدة أصنام فدعاهم إبراهيم إلى توحيد الله تعالى وعبادته، ثم قرر لهم ما هم عليه من الضلال، وقرأ جمهور الناس، «تخلقون إفكا» ، وقرأ ابن الزبير وفضيل «إفكا» على وزن فعل وهو مصدر كالكذب والضحك ونحوه، واختلف في معنى تَخْلُقُونَ فقال ابن عباس هو نحت الأصنام وخلقها. سماها إِفْكاً توسعا من حيث يفترون بها الإفك في أنها آلهة، وقال مجاهد: هو اختلاق الكذب في أمر الأوثان وغير ذلك، وقرأ عبد الرحمن السلمي وعون العقيلي وقتادة وابن أبي ليلى «وتخلّقون إفكا» بفتح الخاء وشد اللام وفتحها، و «الإفك» على هذه القراءة الكذب ثم وقفهم على جهة الاحتجاج عليهم بأمر تفهمه عامتهم وخاصتهم وهو أمر الرزق، فقرر أن الأصنام لا ترزق، وأمر بابتغاء الخير عند الله تعالى وخصص الرِّزْقَ لمكانته من الخلق فهو جزء يدل على جنسه كله، ويقال شكرت لك وشكرتك بمعنى واحد، ثم أخبرهم بالمعاد والحشر إليه.

قوله عز وجل:

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٨ الى ٢٠]

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)

في قوله تعالى وَإِنْ تُكَذِّبُوا الآية وعيد، أي قد كذب غيركم وعذب وإنما على الرسول البلاغ، وكل أحد بعد ذلك مأخوذ بعمله، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم بخلاف عنه «أو لم تروا» بالتاء، وقرأ الباقون «أو لم يروا» بالياء، الأولى على المخاطبة والثانية على الحكاية عن الغائب.

وقرأ الجمهور «يبدىء» وقرأ عيسى وأبو عمرو بخلاف والزهري «يبدأ» وهذه الإحالة على ما يظهر مع الأحيان من إحياء الأرض والنبات وإعادته ونحو ذلك مما هو دليل على البعث من القبور والحشر، ويحتمل أن يريد أَوَلَمْ يَرَوْا بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعد الله الأجسام بعد الموت وهو تأويل قتادة، وقال الربيع ابن أنس: كيف يبدأ خلق الإنسان ثم يعيده إلى أحوال أخر حتى إلى التراب، وقال مقاتل الْخَلْقَ في هذه الآية الليل والنهار، ثم أمر تعالى نبيه، ويحتمل أن يكون إبراهيم، ويحتمل أن يكون محمدا، إن كان في قصة إبراهيم اعتراض بين كلامين بأن يأمرهم على جهة الاحتجاج بالسير في الأرض والنظر في كل قطر وفي كل أمة قديما وحديثا، فإن ذلك يوجد أن لا خالق إلا الله تعالى ولا يبتدىء بالخلق سواه، ثم ساق على جهة الخبر أن الله تعالى يعيد وينشىء نشأة القيام من القبور، وقرأت فرقة «النشأة» ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «النشاءة» على وزن الفعالة وهي قراءة الأعرج، وهذا كما تقول رأفة ورافة، وقرأ الباقون «النشأة» على وزن الفعلة، وقرأ الزهري «النشّة» بشين مشددة في جميع القرآن، والبعث من القبور يقوم دليل العقل على جوازه وأخبرت الشرائع وقوعه ووجوده.

قوله عز وجل:

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢١ الى ٢٣]

يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>