قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفيما قاله هبة الله نظر، لأنه موضع عموم وتخصيص، لا موضع نسخ، وإنما ركب كلامه على اختلاف الناس في قبول توبة القاتل. والله أعلم.
تقول العرب: ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره مقترنة ب «في» ، وتقول: ضربت الأرض دون «في» إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان، ومنه قول- النبي عليه السلام:«لا يخرج الرجلان يضربان الغائط يتحدثان كاشفين عن فرجيهما فإن الله يمقت على ذلك» ، وسبب هذه الآية: أن سرية من سرايا رسول الله لقيت رجلا له جمل ومتيع، وقيل غنيمة، فسلم على القوم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحمل عليه أحدهم فقتله، فشق ذلك على رسول الله ونزلت الآية فيه، واختلف المفسرون في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة، فالذي عليه الأكثر- وهو في سيرة ابن إسحاق وفي مصنف أبي داود وغيرهما: أن القاتل محلم بن جثامة والمقتول عامر بن الأضبط، والحديث بكماله في المصنف لأبي داود، وفي السير وفي الاستيعاب، وقالت فرقة: القاتل أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك الغطفاني، وقالت فرقة: القاتل أبو قتادة، وقالت فرقة: القاتل غالب الليثي، والمقتول مرداس، وقالت فرقة: القاتل هو أبو الدرداء، ولا خلاف أن الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم بن جثامة.
وقرأ جمهور السبعة فَتَبَيَّنُوا وقرأ حمزة والكسائي «فتثبتوا» بالثاء مثلثة في الموضعين وفي الحجرات، وقال قوم:«تبينوا» أبلغ وأشد من «تثبتوا» ، لأن المتثبت قد لا يتبين، وقال أبو عبيد: هما متقاربان.
قال القاضي أبو محمد: والصحيح ما قال أبو عبيد، لأن تبين الرجل لا يقتضي أن الشيء بان له، بل يقتضي محاولة اليقين، كما أن ثبت تقتضي محاولة اليقين، فهما سواء، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة وابن كثير في بعض طرقه، «السّلم» بتشديد السين وفتحه وفتح اللام، ومعناه: الاستسلام أي ألقى بيده واستسلم لكم وأظهر دعوتكم، وقرأ بقية السبعة «السلام» يريد سلم ذلك المقتول على السرية، لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده، ويحتمل أن يراد به الانحياز والترك، قال الأخفش: يقال: فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا، وروي في بعض طرق عاصم «السّلم» بكسر السين وشده وسكون اللام وهو الصلح، والمعنى المراد بهذه الثلاثة يتقارب، وقرأ الجحدري «السّلم» بفتح السين وسكون اللام، والعرض: هو المتيع والجمل، أو الغنيمة التي كانت للرجل المقتول، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو حمزة واليماني «لست مؤمنا» بفتح الميم، أي لسنا نؤمنك في نفسك، وقوله تعالى: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ عدة بما يأتي به الله على وجهه ومن حله دون ارتكاب محظور أي فلا تتهافتوا.