للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمحسوس على عادتهم وعرفهم، ووزن الكافر على أحد وجهين: إما أن يوضع كفره في كفة فلا يجد شيئا يعادله في الكفة الأخرى، وإما أن توضع أعماله من صلة رحم ووجه بر في كفة الحسنات ثم يوضع كفره في الكفة الأخرى فتخف أعماله، و «لفح النار» إصابتها بالوهج والإحراق، وقرأ أبو حيوة «كلحون» بغير ألف والكلوح انكشاف الشفتين عن الأسنان، وهذا يعتري الإنسان عند المباطشة مع الغضب، ويعتري الرؤوس عند النار، وقد شبه عبد الله بن مسعود ما في هذه الآية مما يعتري رؤوس الكباش إذا شيطت بالنار فإنها تكلح ومنه كلوح الكلب والأسد ويستعار للزمن والخطوب. وقوله أَلَمْ تَكُنْ آياتِي قبله محذوف تقديره يقال لهم، و «الآيات» هنا القرآن وأخبر عنهم تعالى أنهم إذا سمعوا هذا التقرير أذعنوا وأقروا على أنفسهم وسلموا بقولهم غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ وقرأ الجمهور «شقوتنا» بكسر الشين دون ألف بعد القاف وهي قراءة الحرميين، وقرأ الحمزة والكسائي «شقاوتنا» بفتح الشين وألف بعد القاف وهي قراءة ابن مسعود، وخير عاصم في الوجهين وهما مصدران من شقي يشقى، ثم تدرجوا من الإقرار إلى الرغبة والتضرع وذلك أنهم ذلوا لأن الإقرار بالذنب اعتذار وتنصل، فوقع جواب رغبتهم بحسب ما حتمه الله من عذابهم بقوله تعالى: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ وجاء وَلا تُكَلِّمُونِ بلفظ نهي وهم لا يستطيعون الكلام على ما روي فهذا مبالغة في المنع، ويقال إن هذه الكلمة إذا سمعوها يئسوا، وحكى الطبري حديثا طويلا في مقاولة تكون بين الكفار وبين مالك خازن النار، ثم بينهم وبين ربهم وآخرها هذه الكلمة اخْسَؤُا فِيها قال فتنطبق عليهم جهنم ويقع اليأس ويبقون ينبح بعضهم في وجه بعض.

قال الفقيه الإمام القاضي: واختصرت هذا الحديث لعدم صحته لكن معناه صحيح عافانا الله من ناره بمنه، وقوله اخْسَؤُا زجر يستعمل في زجر الكلاب، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد اخسأ فلن تعدو قدرك.

قوله عز وجل:

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٠٩ الى ١١١]

إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١)

قرأ هارون «أنه كان» بفتح الألف وهي قراءة أبي بن كعب، وروي أن في مصحف أبي بن كعب «أن كان» وهذا كله متعاضد، وفي قراءة ابن مسعود «تكلمون كان فريق» بغير «إنه» وهذه تعضد كسر الألف من «إنه» لأنها استئناف، وهذه الهاء هي مبهمة ضمير للأمر، والكوفيون يسمونها المجهولة وهي عبارة فاسدة، وهذه الآية كلها مما يقال للكفار على جهة التوبيخ، و «الفريق» المشار إليه كل مستضعف من المؤمنين يتفق أن تكون حاله مع كفار في مثل هذه الحال، ونزلت الآية في كفار قريش مع صهيب وبلال وعمار ونظرائهم ثم هي عامة فيمن جرى مجراهم قديما وبقية الدهر، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «سخريا» بضم السين، وقرأ الباقون «سخريا» بكسرها، فقالت طائفة هما بمعنى واحد وذكر ذلك الطبري، وقال ذلك أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>