للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجملة دون تعيين، وهذه كانت سنته في المنافقين، لا إله إلا هو، وقوله تعالى: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا هي مقالة سمعت من معتب بن قشير المغموص عليه بالنفاق، وقال الزبير بن العوام فيما أسند الطبري عنه: والله لكأني أسمع قول معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف، والنعاس يغشاني، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا.

قال القاضي أبو محمد: وكلام معتب يحتمل من المعنى ما احتمل كلام عبد الله بن أبي، ومعتب هذا ممن شهد بدرا، ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره، وقال ابن عبد البر: إنه شهد العقبة، وذلك وهم، والصحيح أنه لم يشهد عقبة، وقوله تعالى: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ الآية رد على الأقوال، وإعلام بأن أجل كل امرئ إنما هو واحد، فمن لم يقتل فهو يموت لذلك الأجل على الوجه الذي قدر الله تعالى، وإذا قتل فذلك هو الذي كان في سابق الأزل، وقرأ جمهور الناس «في بيوتكم» بضم الباء، وقرأ بعض القراء وهي بعض طرق السبعة «في بيوتكم» ، بكسر الباء، وقرأ جمهور الناس «لبرز» بفتح الراء والباء على معنى:

صاروا في البراز من الأرض، وقرأ أبو حيوة «لبرّز» بضم الباء وكسر الراء وشدها، وقرأ جمهور الناس:

«عليهم القتل» أي كتب عليهم في قضاء الله وتقديره، وقرأ الحسن والزهري: «عليهم القتال» وتحتمل هذه القراءة معنى الاستغناء عن المنافقين، أي لو تخلفتم أنتم لبرز المؤمنون الموقنون المطيعون في القتال المكتوب عليهم، وقوله تعالى: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ الآية، اللام في قوله تعالى: وَلِيَبْتَلِيَ متعلقة بفعل متأخر تقديره وليبتلي وليمحص فعل هذه الأمور الواقعة والابتلاء هنا هو الاختبار، والتمحيص: تخليص الشيء من غيره، والمعنى ليختبره فيعلمه علما مساوقا لوجوده وقد كان متقررا قبل وجود الابتلاء أزلا، و «ذات الصدور» ما تنطوي عليه من المعتقدات، هذا هو المراد في هذه الآية.

قوله تعالى:

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٥]]

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)

اختلف المتأولون في من المراد بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: المراد بها جميع من تولى ذلك اليوم عن العدو.

قال القاضي أبو محمد: يريد على جميع أنحاء التولي الذي لم يكن تحرفا لقتال، وأسند الطبري رحمه الله قال: خطب عمر رضي الله عنه يوم الجمعة فقرأ آل عمران، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها، فلما انتهى إلى قوله إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، قال: لما كان يوم- أحد- هزمنا ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأني أروى، والناس يقولون قتل محمد، فقلت: لا أجد أحدا يقول: قتل محمد إلا قتلته، حتى اجتمعنا على الجبل فنزلت هذه الآية كلها، قال قتادة: هذه الآية في كل من فر بتخويف الشيطان وخدعه، وعفا الله عنهم هذه الزلة، قال ابن فورك: لم يبق مع النبي يومئذ إلا ثلاثة

<<  <  ج: ص:  >  >>