في بنيات الطريق قصد إلى موضع موسى فبلغه قولهم له إِنَّ الْمَلَأَ الآية، ويَسْعى معناه يسرع في مشيه قاله الزجاج وغيره وهو دون الجري، وقال ابن جريج: معناه يعمل وليس بالشد.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة والأول عندي أظهر في هذه الآية: ويَأْتَمِرُونَ وزنه يفتعلون ويفتعلون يأتي كثيرا بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهل ابن قتيبة إلى أنه بمعنى يأمر بعضهم بعضا وقال: لو كان ذلك لكان يتأمرون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل وفي القرآن وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: ٦] ، وقد قال النمر بن تولب:[المتقارب]
أرى الناس قد أحدثوا شيمة ... وفي كل حادثة يؤتمر
وأنشد الطبري:[الكامل]
ما تأتمر فينا فأمرك في ... يمينك أو شمالك
ومنه قول ربيعة بن جشم:[المقارب]
أجار بن كعب كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
فخرج موسى عليه السلام وأفلت القوم فلم يجده أحد منهم وخرج بحكم فزعه ومبادرته إلى الطريق المؤدية إلى مدين وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام، وكان موسى لا يعرف تلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فركب مجهلتها واثقا بالله تعالى ومتوكلا عليه، قال السدي ومقاتل: فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل، وقيل ملكا غيره، فسدده إلى طريق مدين وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم في مدين وهو أصح وأكثر، وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغير فرعون، وحكى الطبري عن ابن جريج أو ابن أبي نجيح، شك الطبري أنه قال: إن الذي أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ هو الإسرائيلي فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص: ١٨] ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى وخاطبه بالفضح وكان موسى من الندامة والتوبة في حد لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر، وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ شمعون، وقال ابن إسحاق: شمعان.
قال الفقيه القاضي أبو محمد: والثبت في هذا ونحوه بعيد.