ومنه البصر الحسير وهو الكال، وقال ابن جريج وغيره في معنى هذه الآية، لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق، ولا تبسطها كل البسط فيما نهيتك عنه، وقال قتادة:«التبذير» النفقة في معصية الله، وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في حق لم يكن تبذيرا، ولو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا.
قال القاضي أبو محمد: وهذا فيه نظر، ولا بعض البسط لم يبح فيما نهي عنه. ولا يقال في المعصية ولا تبذر، وإنما يقال ولا تنفق ولو باقتصاد وقوام، ولله در ابن عباس وابن مسعود فإنهما قالا: التبذير الإنفاق وفي غير حق، فهذه عبارة تعم المعصية والسرف في المباح، وإنما نهت هذه الآية عن استفراغ الوجد فيما يطرأ أولا من سؤال المؤمنين لئلا يبقى من يأتي بعد ذلك لا شيء له أو لئلا يضيع المنفق عيالا ونحوه، ومن كلام الحكمة: ما رأيت قط سرفا إلا ومعه حق مضيع، وهذه من آيات فقه الحال، ولا يبين حكمها إلا باعتبار شخص من الناس، وقوله إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الآية، والمعنى كن أنت يا محمد على ما رسم لك من الاقتصاد وإنفاق القوام ولا يهمنك فقر من تراه كذلك فإنه بمرأى من الله ومسمع وبمشيئة، وَيَقْدِرُ معناه ويضيف، وقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً أي يعلم مصلحة قوم في الفقر ومصلحة آخرين في الغنى، وقال بعض المفسرين وحكاه الطبري: إن الآية إشارة إلى حال العرب التي كانت يصلحها الفقر، وكانت إذا شبعت طغت وقتلت غيرها وأغارت، وإذا كان الجوع والقحط شغلهم.
قرأ الأعمش وابن وثاب «ولا تقتّلوا» بتضعيف الفعل، وهذه الآية نهي عن الوأد الذي كانت العرب تفعله، وهو قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ [التكوير: ٨] ، ويقال كان جهلهم يبلغ أن يغذو أحدهم كلبه ويقتل ولده، وخَشْيَةَ نصب على المفعول من أجله، و «الإملاق» الفقر وعدم الملك، أملق الرجل لم يبق له إلا الملقات وهي الحجارة العظام الملس السود، وقرأ الجمهور «خطئا» بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز والقصر، وقرأ ابن عامر «خطئا» بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة، وهي قراءة أبي جعفر، وهاتان قراءتان مأخوذتان من خطىء إذا أتى الذنب على عمد، فهي كحذر وحذر ومثل ومثل وشبه وشبه اسم ومصدر، ومنه قول الشاعر:[البسيط]
الخطء فاحشة والبر نافلة ... كعجوة غرست في الأرض تؤتبر
قال الزجاج يقال خطىء الرجل يخطأ خطأ مثل أثم إثما فهذا هو المصدر وخطأ اسم منه، وقال بعض العلماء خطىء معناه واقع الذنب عامدا، ومنه قوله تعالى: لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ [الحاقة: ٣٧] ، وأخطأ واقع الذنب عن غير تعمد، ومنه قوله تعالى: إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة: ٢٨٦] ، وقال أبو علي