للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية في التوراة ذكر فيه ألف شيء مما يسبح سبحت له السماوات، سبحت له الأرض، سبح كذا، سبح كذا، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: «يسبح له» بالياء، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي «تسبح» بالتاء، والقراءتان حسنتان، وقرأ عبد الله بن مسعود وطلحة والأعمش «سبحت له السماوات» ، وقوله إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فيه تنبيه على إملائه لهم وصفحه عنهم في الدنيا وإمهاله لهم مع شنيع هذه المقالة، أي تقولون قولا ينزهه عنه كل شيء من المخلوقات، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً فلذلك أمهلكم.

قوله عز وجل:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]

وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧)

هذه الآية تحتمل معنيين: أحدهما أن الله تعالى أخبر نبيه أنه يحميه من الكفرة أهل مكة الذي كانوا يؤذونه في وقت قراءته القرآن وصلاته في المسجد ويريدون مد اليد إليه، وأحوالهم في هذا المعنى مشهورة مروية، والمعنى الآخر أنه أعلمه أنه يجعل بين الكفرة وبين فهم ما يقرأه محمد عليه السلام حجابا، فالآية على هذا التأويل في معنى التي بعدها، وعلى التأويل الأول هما آيتان لمعنيين، وقوله مَسْتُوراً أظهر ما فيه أن يكون نعتا للحجاب، أي مستورا عن أعين الخلق لا يدركه أحد برؤية كسائر الحجب، وإنما هو من قدرة الله وكفايته وإضلاله بحسب التأويلين المذكورين، وقيل التقدير مستورا به على حذف العائد وقال الأخفش مَسْتُوراً بمعنى ساتر كمشؤوم وميمون فإنهما بمعنى شائم ويأمن.

قال القاضي أبو محمد: وهذا لغير داعية إليه، تكلف، وليس مثاله بمسلم، وقيل هو على جهة المبالغة كما قالوا شعر شاعر، وهذا معترض بأن المبالغة أبدا إنما تكون باسم الفاعل ومن اللفظ الأول، فلو قال حجابا حاجبا لكان التنظير صحيحا، وقوله وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً الآية، الأكنة جمع كنان، وهو ما غطى الشيء، ومنه كنانة النبل، و «الوقر» الثقل في الأذن المانع من السمع، وهذه كلها استعارات للإضلال الذي حفهم الله به، فعبر عن كثرة ذلك وعظمه بأنهم بمثابة من غطى قلبه وصمت أذنه، وقوله وَإِذا ذَكَرْتَ الآية، يريد إذا جاءت مواضع التوحيد في القرآن أثناء قراءتك فرّ كفار مكة من سماع ذلك إنكارا له واستبشاعا، إذ فيه رفض آلهتهم واطراحها، وقال بعض العلماء: إن ملأ قريش دخلوا على أبي طالب يزورونه فدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ ومر بالتوحيد، ثم قال «يا معشر قريش قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم» ، فولوا ونفروا، فنزلت الآية، وأن تكون الآية وصف حال الفارين عنه في وقت توحيده في قراءته أبين وأجرى مع اللفظ، وقوله نُفُوراً يصح أن يكون مصدرا في موضع الحال، ويصح أن يكون جمع نافر كشاهد وشهود، لأن فعولا من أبنية فاعل في

<<  <  ج: ص:  >  >>