الفارسي والنقاش وقاله المتكلمون أبو منصور وغيره، إن معنى الكلام، لابتغوا إليه سبيلا في إفساد ملكه ومضاهاته في قدرته، وعلى هذا التأويل تكون الآية بيانا للتمانع، وجارية مع قوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] .
قال القاضي أبو محمد: ونقتضب شيئا من الدليل على أنه لا يجوز أن يكون مع الله تبارك وتعالى غيره، وذلك على ما قال أبو المعالي وغيره: إنا لو فرضناه لفرضنا أن يريد أحدهما تسكين جسم والآخر تحريكه، ومستحيل أن تنفذ الإرادتان، ومستحيل أن لا تنفذ جميعا، فيكون الجسم لا متحركا ولا ساكنا، فإن صحت إرادة أحدهما دون الآخر فالذي لم تتم إرادته ليس بإله، فإن قيل نفرضهما لا يختلفان، قلنا اختلافهما جائز غير ممتنع عقلا، والجائز في حكم الواقع، ودليل آخر، إنه لو كان الاثنان لم يمتنع أن يكونوا ثلاثة، وكذلك إلى ما لا نهاية، ودليل آخر أن الجزء الذي لا يتجزأ من المخترعات لا تتعلق به إلا قدرة واحدة، لا يصح فيها اشتراك، والآخر كذلك دأبا، فكل جزء إنما يخترعه واحد، وهذه نبذة شرحها بحسب التقصي يطول، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم «كما يقولون» بالياء من تحت، وقرأ الجمهور «كما تقولون» ، وسُبْحانَهُ مصدر بفعل متروك إظهاره، فهو بمعنى التنزيه، موضعه هنا موضع تنزه، فلذلك عطف الفعل عليه في قوله وَتَعالى، والتعالي تفاعل أما في الشاهد والأجرام فهو من اثنين، لأن الإنسان إذا صعد في منزله أو في جبل فكأن ذلك يعاليه، وهو يعالي ويرتقي، وأما في ذكر الله تعالى فالتعالي هو بالقدر لا بالإضافة إلى شيء آخر، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو «عما يقولون» بالياء، وقرأ حمزة والكسائي «تقولون» بالتاء من فوق. وعُلُوًّا، مصدر على غير الفعل، فهو كقوله وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] وهذا كثير، وقوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ الآية، المعنى ينزهه عن هذه المقالة التي لكم، والاشتراك الذي أنتم بسبيله، السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ، ثم أعاد على السماوات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل العاقل، وهو التسبيح، وقوله مَنْ فِيهِنَّ يريد الملائكة والإنس والجن، ثم عم بعد ذلك الأشياء كلها، في قوله وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي ينزه الله ويحمده ويمجده، واختلف أهل العلم في التسبيح، فقالت فرقة هو تجوز، ومعناه إن كل شيء تبدو فيه صنعة الصانع الدالة عليه فتدعو رؤية ذلك إلى التسبيح من المعتبر، ومن حجة هذا التأويل قوله تعالى:
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ [ص: ١٨] وقالت فرقة مِنْ شَيْءٍ لفظ عموم، ومعناه الخصوص في كل حي ونام، وليس ذلك في الجمادات البحتة، فمن هذا قول عكرمة: الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح، وقال يزيد الرقاشي للحسن وهما في طعام، وقد قدم الخوان: أيسبح هذا الخوان يا أبا سعيد؟ فقال قد كان يسبح مرة، يريد أن الشجرة في زمان نموها واغتذائها تسبح، فمذ صارت خوانا مدهونا أو نحوه صارت جمادا، وقالت فرقة: هذا التسبيح حقيقة، وكل شيء على العموم يسبح تسبيحا لا يسمعه البشر ولا يفقهه، ولو كان التسبيح ما قاله الآخرون من أنه أثر الصنعة لكان أمرا مفقوها، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يفقه.
قال القاضي أبو محمد: وينفصل عن هذا الاعتراض بأن يراد بقوله لا تَفْقَهُونَ الكفار والغفلة، أي إنهم يعرضون عن الاعتبار فلا يفقهون حكمة الله تعالى في الأشياء وقال الحسن: بلغني أن معنى هذه