هذه آية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد للكفار وإزالة عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع الكلف سوى التبليغ فقط، لئلا يهتم بعدم إيمان قريش وغيرهم، فقال تعالى لنبيه: إن الذين اتخذوا الأصنام والأوثان أولياء من دون الله، الله هو الحفيظ عليهم كفرهم، المحصي لأعمالهم، المجازي لهم عليها بعذاب الآخرة، وأنت فلست بوكيل عليهم ولا ملازم لأمرهم حتى يؤمنوا. والوكيل: المقيم على الأمر، وما في هذا اللفظ من موادعة فهو منسوخ بآية السيف، ثم قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي وكما قضينا أمرك هكذا وأمضيناه في هذه الصورة، كذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا مبينا لهم، لا يحتاجون معه إلى آخر سواه ولا محتج غيره، إذ فهمه متأت لهم ولم يكلفك إلا إنذارا من ذكر. و: أُمَّ الْقُرى مكة، والمراد أهل مكة، ولذلك عطف مَنْ، وهي في الأغلب لمن يعقل. و: يَوْمَ الْجَمْعِ هو يوم القيامة، واقتصر في تُنْذِرَ على المفعول الأول، لأن المعنى: وتنذر أهل أم القرى العذاب، وتنذر الناس يوم الجمع، أي تخوفهم إياه لما فيه من عذاب من كفر، وسمي يَوْمَ الْجَمْعِ لاجتماع أهل الأرض فيه بأهل السماء، أو لاجتماع بني آدم للعرض.
وقوله: لا رَيْبَ فِيهِ أي في نفسه وذاته، وارتياب الكفار به: لا يعتد به.
وقوله: فَرِيقٌ مرتفع على خبر الابتداء المضمر، كأنه قال: هم فريق في الجنة، وفريق في السعير. ثم قوى تعالى تسلية نبيه عليه السلام بأن عرفه أن الأمر موقوف على مشيئة الله من إيمانهم أو كفرهم، وأنه لو أراد كونهم أمة واحدة لجمعهم عليه، ولكنه يدخل من سبقت له السعادة عنده في رحمته، وييسره في الدنيا لعمل أهل السعادة، وأن الظالمين بالكفر الميسرين لعمل الشقوة ما لهم من وليّ ولا نصير.
وقوله: أَمِ اتَّخَذُوا كلام منقطع مما قبله، وليست معادلة، ولكن الكلام: كأنه أضرب عن حجة لهم أو مقالة مقررة فقال: «بل اتخذوا» هذا مشهور قول النحويين في مثل هذا، وذهب بعضهم إلى أن أَمِ هذه هي بمنزلة ألف الاستفهام دون تقدير إضراب، ثم أثبت الحكم بأنه عز وجل هو الولي الذي تنفع ولايته، وأنه هو الذي يحيي الموتى ويحشرهم إلى الآخرة ويبعثهم من قبورهم، وأن قدرته على كل شيء تعطي هذا وتقتضيه.