للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثاله تجهمني الليل وتخوفني السير وتعرقني الزمن، وقرأ نافع «زبرا» بضم الزاي جمع زبور، وقرأ الأعمش وأبو عمرو بخلاف «زبرا» بضم الزاي وفتح الباء، فأما القراءة الأولى فتحتمل معنيين أحدهما أن الأمم تنازعت أمرها كتبا منزلة فاتبعت فرقة الصحف وفرقة التوراة وفرقة الزبور وفرقة الإنجيل ثم حرف الكل وبدل، وهذا قول قتادة، والثاني أنهم تنازعوا أمرهم كتبا وضعوها وضلالات ألفوها وهذا قول ابن زيد، وأما القراءة الثانية فمعناها فرقا كزبر الحديد، ثم ذكر تعالى أن كل فريق منهم معجب برأيه وضلالته وهذه غاية الضلال لأن المرتاب بما عنده ينظر في طلب الحق ومن حيث كان ذكر الأمم في هذه الآية مثالا لقريش خاطب محمدا عليه السلام في شأنهم متصلا بقوله فَذَرْهُمْ أي فذر هؤلاء الذين هم بمنزلة من تقدم و «الغمرة» ، ما عمهم من ضلالهم وفعل بهم فعل الماء الغمر لما حصل فيهم، وقرأ أبو عبد الرحمن «في غمراتهم» ، وحَتَّى حِينٍ أي إلى وقت فتح فيهم غير محدود وفي هذه الآية موادعة منسوخة بآية السيف، ثم وقفهم على خطأ رأيهم في أن نعمة الله عندهم بالمال ونحوه إنما هي لرضاه عن حالهم وبين تعالى أن ذلك إنما هو إملاء واستدراج، وخبر «أن» في قوله نُسارِعُ بنون العظمة، وفي الكلام على هذه القراءة ضمير عائد تقديره لهم به، وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة «يسارع» بالياء من تحت وكسر الراء بمعنى أن إمدادنا يسارع ولا ضمير مع هذه القراءة إلا ما يتضمن الفعل، وروي عن أبي بكرة المذكور «يسارع» بفتح الراء، وقرأ الحر النحوي «نسرع» بالنون وسقوط الألف، والْخَيْراتِ هنا يعم الدنيا، وقوله بَلْ لا يَشْعُرُونَ وعيد وتهديد، والشعور مأخوذ من الشعار وهو ما بلي الإنسان من ثيابه.

قوله عز وجل:

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٥٧ الى ٦١]

إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)

لما فرغ ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك ذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم، و «الإشفاق» أبلغ التوقع والخوف، ومِنْ، في قوله مِنْ خَشْيَةِ هي لبيان جنس الإشفاق، والإشفاق إنما هو من عذاب الله، و «من» ، في قوله «من عذاب» هي لابتداء غاية و «الآيات» تعم القرآن وتعم العبر والمصنوعات التي لله وغير ذلك مما فيه نظر واعتبار وفي كل شيء له آية، ثم ذكرهم تعالى من الطرف الآخر وهو نفي الإشراك لأن لكفار قريش أن يقولوا ونحن نؤمن بآيات ربنا ويريدون نصدق بأنه المخترع الخالق فذكر تعالى نفي الإشراك الذي لا حظ لهم فيه بسبب أصنامهم، وقوله وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا على قراءة الجمهور، يعطون ما أعطوا وقال الطبري: يريد الزكاة المفروضة وسائر الصدقة، وروي نحوه عن ابن عمر ومجاهد ع وإنما ضمهم إلى هذا التخصيص أن العطاء مستعمل في المال على الأغلب، قال ابن عباس وابن جبير: هو عام في جميع أعمال البر، وهذا أحسن كأنه قال: والذين يعطون من أنفسهم في طاعة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>