لما ذكر تعالى حال الكفرة أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين ليبين الفرق وتتحرك النفوس إلى طلب الأفضل، وقرأت عامة القراء «يسلم» بسكون السين وتخفيف اللام.
وقرأ عبد الله بن مسلم وأبو عبد الرحمن «يسلّم» بفتح السين وشد اللام ومعناه يخلص ويوجه ويستسلم به، و «الوجه» هنا الجارحة استعير للمقصود لأن القاصد للشيء فهو مستقبله بوجهه فاستعير ذلك للمقاص، و «المحسن» الذي جمع القول والعمل، وهو الذي شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإحسان، و «العروة الوثقى» استعارة للأمر المنجي الذي لا يخاف عليه استحالة ولا إخلال والعرى موضع التعليق فكأن المؤمن متعلق بأمر الله فشبه ذلك بِالْعُرْوَةِ، والْأُمُورِ جمع أمر وليس بالمضاد للنهي، ثم سلى عز وجل نبيه عن موجدته لكفر قومه وإعراضهم فأمره أن لا يحزن لذلك بل يعمد لما كلفه من التبليغ ويرجع الكل إلى الله تعالى، وقرأت فرقة «يحزنك» من الرباعي، وقرأت فرقة «يحزنك» من الثلاثي، و «ذات الصدور» ما فيها والقصد من ذلك إلى المعتقدات والآراء، ومن ذلك قولهم «الذئب مغبوط بذي بطنه» ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه «ذو بطن بنت خارجة» ، والمتاع القليل هو العمر في الدنيا، و «العذاب الغليظ» معناه المغلظ المؤلم، ثم أقام عليهم الحجة في أمر الأصنام بأنهم يقرون بأن الله تعالى خالق المخلوقات ويدعون مع ذلك إلها غيره، والمعنى قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ظهور الحجة عليكم، وقوله تعالى: بَلْ أَكْثَرُهُمْ إضراب عن مقدر تقديره ليس دعواهم بحق ونحو هذا، وقوله أَكْثَرُهُمْ على أصله لأن منهم من شذ فعلهم كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس، وورقة بن نوفل، ويحتمل أن تكون الإشارة أيضا إلى من هو معد أن يسلم، ثم أخبر على جهة الحكم وفصل القضية بأن الله له ملك السماوات والأرض وما فيها، أي وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة، والْغَنِيُّ الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء ولا نقص بجهة من الجهات، والْحَمِيدُ المحمود أي كذلك هو بذاته وصفاته.