لما ذكر تبارك وتعالى حالة من يعبده عَلى حَرْفٍ [الحج: ١١] وسفه رأيهم وتوعدهم بخسارة الآخرة عقب ذلك بذكر مخالفيهم من أهل الإيمان وذكر ما وعدهم به من إدخاله إياهم الجنة، ثم أخذت الآية في توبيخ أولئك الأولين وإسلامهم إلى رأيهم وإحالتهم على ما فيه عنتهم وليس فيه راحتهم كأنه يقول هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق وظنوا أن الله تبارك وتعالى لن ينصر محمدا وأتباعه ونحن إنما أمرناهم بالصبر وانتظار وعدنا فمن ظن غير ذلك، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ وليختنق ولينظر هل يذهب بذلك غيظه، قال هذا المعنى قتادة وهذا على جهة المثل السائر قولهم دونك الحبل فاختنق، يقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه، و «السبب» الحبل، و «النصر» معروف، إلا أن أبا عبيدة ذهب به إلى معنى الرزق كما قالوا أرض منصورة أي ممطورة وكما قال الشاعر:[الطويل]
وإنك لا تعطي امرأ فوق حقه ... ولا تملك الشق الذي الغيث ناصره
وقال: وقف بنا سائل من بني أبي بكر فقال من ينصرني ينصره الله، والسَّماءِ على هذه الأقوال الهواء علوا فكأنه أراد سقفا أو شجرة أو نحوه وقال ابن زيد السَّماءِ هي المعروفة، وذهب إلى معنى آخر كأنه قيل لمن يظن أن الله تعالى لا ينصر محمدا إن كانت تظن ذلك فامدد بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ واقطعه إن كنت تقدر على ذلك فإن عجزت فكذلك لا تقدر على قطع سبب محمد صلى الله عليه وسلم إذ نصرته من هنالك والوحي الذي يأتيه.
قال القاضي أبو محمد: و «القطع» على هذا التأويل ليس بالاختناق بل هو جزم السبب، وفي مصحف ابن مسعود «ثم ليقطعه» بهاء، والجمهور على أن القطع هنا هو الاختناق، وقال الخليل: وقطع الرجل إذا اختنق بحبل أو نحوه ثم ذكر الآية، وتحتمل الآية معنى آخر وهو أن يراد به الكفار وكل من يغتاظ بأن ينصره الله ويطمع أن لا ينصر قيل له من ظن أن هذا لا ينصر فليمت كمدا هو منصور لا محالة فليختنق هذا الظان غيظا وكمدا ويؤيد هذا أن الطبري والنقاش قالا: ويقال نزلت في نفر من بني أسد وغطفان قالوا نخاف أن ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من يهود من المنافع، والمعنى الأول الذي قيل فيه للعابدين عَلى حَرْفٍ [الحج: ١١] ليس بهذا ولكنه بمعنى من قلق واستبطأ النصر وظن أن محمدا لا ينصر فليختنق سفاهة إذ تعدى الأمر الذي حد له في الصبر وانتظار صنع الله، وقال مجاهد: الضمير في