واجترحوا ما لا يجوز لهم وهي هاهنا في الكفر، والضمير في بَعْدِهِمْ عائد على الرسل، والضمير في مَلَائِهِ عائد على فِرْعَوْنَ، والملأ: الجماعة من قبيلة وأهل مدينة، ثم يقال للأشراف والأعيان من القبيلة أو البلد ملأ، أي هم يقومون مقام الملأ، وعلى هذا الحد هي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريش بدر:«أولئك الملأ» ، وكذلك هي في قوله تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ [القصص: ٢٠] . وأما في هذه الآية فهي عامة لأن بعثة موسى وهارون كانت إلى فرعون وجميع قومه من شريف ومشروف وقد مضى في المص [الأعراف: ١] ، ذكر ما بعث إليهم فيه، و «الآيات» : البراهين والمعجزات وما في معناها، وقوله فَاسْتَكْبَرُوا أي تعظموا وكفروا بها، ومُجْرِمِينَ معناه: يرتكبون ما لم يبح الله ويجسرون من ذلك على الخطر الصعب.
يريد ب الْحَقُّ آيتي العصا واليد، ويدل على ذلك قولهم عندهما: هذا سحر ولم يقولوا ذلك إلا عندهما ولا تعاطوا إلا مقاومة العصا فهي معجزة موسى عليه السلام التي وقع فيها عجز المعارض، وقرأ جمهور الناس:«لسحر مبين» ، وقرأ سعيد بن جبير والأعمش:«لساحر مبين» ، ثم حكي عن موسى أنه وقفهم ووبخهم بقوله أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ، ثم اختلف المتأولون في قوله أَسِحْرٌ هذا فقالت فرقة: هو حكاية من موسى عنهم على معنى أن قولهم كان أَسِحْرٌ هذا، ثم اختلف في معنى قول قوم فرعون: أَسِحْرٌ هذا فقال بعضهم: قالها منهم كل مستفهم جاهل بالأمر، فهو يسأل عنه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يضعفه ما ذكر الله قبل عنهم من أنهم صمموا على أنه سحر بقولهم: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ، وقال بعضهم بل قالوا ذلك على معنى التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم كما تقول لفرس تراه يجيد الجري: أفرس هذا؟ على معنى التعجب منه والاستغراب وأنت قد علمت أنه فرس، وقالت فرقة غير هاتين: ليس ذلك حكاية من موسى عنهم بل القول الذي حكاه عنهم مقدر تقديره أتقولون للحق لما جاءكم سحر.
قال القاضي أبو محمد: أو نحو هذا من التقدير، ثم ابتدأ يوقفهم بقوله: أَسِحْرٌ هذا على جهة التوبيخ، ثم أخبرهم عن الله تعالى أن الساحرين لا يفلحون ولا يظفرون ببغية، ومثل هذا التقدير المحذوف على هذا التأويل موجود في كلام العرب، ومنه قول ذي الرمة:
فلما لبسن الليل أو حين نصّبت ... له من خذا آذانها وهو جانح
يريد أو حين قاربن ذلك، ومنه قول الله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ