فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب
وقرأ قتادة «عن جنب» بفتح الجيم وسكون النون وهي قراءة الحسن والأعرج، وقرأ «عن جانب» النعمان بن سالم، وقرأ الجمهور «عن جنب» بضم الجيم والنون، وقوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، معناه أنها أخته وأنها من جملة لطائف الله تعالى له ولأمه حسب الوعد الذي أوحي إليها، ويقال: بصرت الشيء وأبصرته بمعنى واحد متقارب، قال المهدوي: وقيل عَنْ جُنُبٍ معناه عن شوق وهي لغة لجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت إليه، وقال قتادة: معنى عَنْ جُنُبٍ أنها تنظر إليه كأنها لا تريده.
قوله تعالى: وَحَرَّمْنا يقتضي أن الله تعالى خصه من الامتناع من ثدي النساء بما يشد به عن عرف الأطفال وهو تحريم تنقيص، والْمَراضِعَ جمع مرضع واستعمل دون هاء التأنيث لأنه لا يلتبس بالرجال.
وقوله تعالى: مِنْ قَبْلُ معناه من أول أمره، وقَبْلُ مبني، والضمير في «قالت» لأخت موسى قال النقاش اسمها مريم، ويَكْفُلُونَهُ، معناه يحسنون تربيته وإرضاعه، وعلم القوم أن مكلمتهم من بني إسرائيل وكان ذلك عرف بني إسرائيل أن يكونوا مراضع وخدمة، وقوله وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ يحتمل أن الضمير يعود على الطفل ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمره من جملته، وقال ابن جريج: إن القوم تأولوا أنها أعادت الضمير على الطفل فقالوا لها إنك قد عرفته فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك، فتخلصت منهم بهذا التأويل.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصا على التزلف إليه والتقرب منه، وفي الكلام هنا حذف يقتضيه الظاهر وهو أنها حملتهم إلى أم موسى وكلموها في ذلك فدرت عليه وقبلها وحظيت بذلك وأحسن إليها وإلى أهل بيتها، و «قرت عينها» أي سرت بذلك، وروي أن فرعون قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل؟ فقالت إني طيبة الرائحة طيبة اللبن ودمع الفرح بارد ودموع الهم حرّى سخنة فمن هذا المعنى قيل قرت العين وسخنت، وقرأ يعقوب «نقر» بنون مضمومة وكسر القاف، ووَعْدَ اللَّهِ المشار إليه وهو الذي أوحاه إليها أولا إما بملك وإما بمنامة وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه وَعْدَ، وقوله تعالى: أَكْثَرَهُمْ