هذه السورة مكية بإجماع وكان عبد الله بن مسعود يقول الكهف، ومريم، وطه، والأنبياء من العتاق الأول وهي من تلادي يريد من قديم ما كسبت وحفظت من القرآن كالمال التلاد.
روي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يبني جدارا فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة فقال الذي كان يبني الجدار ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر نزل اليوم اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ فنفض يده من البنيان وقال والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب، وقوله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ عام في جميع الناس، المعنى وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ويدل على ذلك ما بعد من الآيات، وقوله وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ يريد الكفار.
قال القاضي أبو محمد: ويتجه من هذه الألفاظ على العصاة من المؤمنين قسطهم، وقوله ما يَأْتِيهِمْ وما بعده مختص بالكفار، وقوله مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ قالت فرقة المراد منا ينزل من القرآن ومعناه مُحْدَثٍ نزوله وإتيانه إياهم لا هو في نفسه، وقالت فرقة المراد ب «الذكر» أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الشريعة ووعظه وتذكيره فهو محدث على الحقيقة وجعله من ربه من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ولا يقول إلا ما هو من عند الله، وقالت فرقة «الذكر» الرسول نفسه واحتجت بقوله تعالى قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ [الطلاق: ١١] فهو محدث على الحقيقة ويكون، قوله اسْتَمَعُوهُ بمعنى استمعوا إليه، وقوله تعالى:
وَهُمْ يَلْعَبُونَ جملة في موضع الحال أي أسماعهم في حال لعب فهو غير نافع ولا واصل النفس.