للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكل بمعنى، وهو من أكل بمنزلة الطعمة من طعم، أي الشيء الذي يطعم ويؤكل، وضِعْفَيْنِ معناه:

اثنين مما يظن بها ويحرز من مثلها، ثم أكد تعالى مدح هذه الربوة بأنهاإن لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل، وذلك لكرم الأرض، والطل المستدق من القطر الخفيف، قاله ابن عباس وغيره، وهو مشهور اللغة، وقال قوم الطل الندى، وهذا تجوز وتشبيه، وقد روي ذلك عن ابن عباس. قال المبرد: تقديره فَطَلٌّ يكفيها. وقال غيره التقدير فالذي أصابهم طل، فشبه نمو نفقات هؤلاء المخلصين الذين يربي الله صدقاتهم كتربية الفلو والفصيل حسب الحديث بنمو نبات هذه الجنة بالربوة الموصوفة، وذلك كله بخلاف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلدا، وفي قوله تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وعد ووعيد، وقرأ الزهري يعملون بالياء كأنه يريد به الناس أجمع. أو يريد المنفقين فقط فهو وعد محض.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٦]]

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)

حكى الطبري عن السدي أن هذه الآية مثل آخر لنفقة الرياء، ورجح هو هذا القول، وحكى عن ابن زيد أنه قرأ قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [البقرة: ٢٦٤] ، قال ثم ضرب في ذلك مثلا فقال: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ الآية.

قال القاضي أبو محمد: وهذا أبين من الذي رجح الطبري، وليست هذه الآية بمثل آخر لنفقة الرياء، هذا هو مقتضى سياق الكلام، وأما بالمعنى في غير هذا السياق فتشبه حال كل منافق أو كافر عمل وهو يحسب أنه يحسن صنعا، فلما جاء إلى وقت الحاجة لم يجد شيئا، وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال وهو غاضب قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال له ابن عباس هذا مثل ضربه الله كأنه قال: أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير، فإذا فني عمره واقترب أجله ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء، فرضي ذلك عمر، وروى ابن أبي مليكة أن عمر تلا هذه الآية: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ، وقال: هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه، عمل عمل السوء.

قال القاضي أبو محمد: فهذا نظر يحمل الآية على كل ما يدخل تحت ألفاظها، وقال بنحو هذا مجاهد وقتادة والربيع وغيرهم، وخص النخيل والأعناب بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الشجر. وقرأ الحسن «جنات» بالجمع، وقوله مِنْ تَحْتِهَا هو تحت بالنسبة إلى الشجر، والواو في قوله وَأَصابَهُ واو الحال، وكذلك في قوله: وَلَهُ وضُعَفاءُ جمع ضعيف وكذلك ضعاف، وال إِعْصارٌ الريح الشديدة العاصف التي فيها إحراق لكل ما مرت عليه، يكون ذلك في شدة الحر ويكون في شدة البرد وكل ذلك من فيح جهنم ونفسها كما تضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة

<<  <  ج: ص:  >  >>