الصحيح أن الفترة بينهما ستمائة سنة. وهذه الآية نزلت بسبب قول اليهود: ما أنزل الله على بشر بعد موسى من شيء، قاله ابن عباس، وقوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا مفعول من أجله، المعنى حذار أن تقولوا محتجين يوم القيامة: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فقد جاءكم وقامت الحجة عليكم، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فهو الهادي والمضل والمنعم والمعذب لا رب غيره.
المعنى واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغير كتبهم ليتحققوا نبوتك وينتظم في ذلك نعم الله عليهم وتلقيهم تلك النعم بالكفر وقلة الطاعة والإنابة. وقرأ ابن محيصن «يا قوم» بالرفع وكذلك حيث وقع من القرآن. وروي ذلك عن ابن كثير، ونِعْمَتَ اللَّهِ هنا اسم الجنس، ثم عدد عيون تلك النعم، والأنبياء الذين جعل فيهم أمرهم مشهور من لدن إسرائيل إلى زمان عيسى عليه السلام والأنبياء حاطة ومنقذون من النار وشرف في الدنيا والآخرة. وقوله: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً يحتمل معاني أحدها أن يعدد عليهم ملك من ملك من بني إسرائيل لأن الملوك شرف في الدنيا وحاطة من نوائبها، والمعنى الآخر: أن يريد استنقذكم من القبط الذين كانوا يستخدمونكم فصرتم أحرارا تملكون ولا تملكون، فهم ملوك بهذا الوجه وبنحو هذا فسر السدي وغيره. وقال قتادة إنما قال: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً لأنا كنا نتحدث أنهم أول من خدمه أحد من بني آدم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لأن القبط كانوا يستخدمون بني إسرائيل. وظاهر أمر بني آدم أن بعضهم كان يسخر بعضا مذ تناسلوا وكثروا، وإنما اختلفت الأمم في معنى التملك فقط. وقال عبد الله ابن عمرو بن العاصي والحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم من كان له مسكن وامرأة وخادم فهو ملك، وقيل من له مسكن لا يدخل عليه فيه إلا بإذن فهو ملك، وقوله تعالى: وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ قال فيه أبو مالك وسعيد بن جبير: الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ضعيف، وقال جمهور المفسرين الخطاب هو من موسى عليه السلام لقومه، ثم اختلف المفسرون ماذا الذي أوتوا ولم يؤت أحد مثله؟ فقال مجاهد، المن والسلوى والحجر والغمام، وقال غيره: كثرة الأنبياء.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا في كثرة الأنبياء فالعالمون على العموم والإطلاق، وعلى القول بأن المؤتى هو آيات موسى فالعالمون مقيدون بالزمان الذي كانوا فيه، لأن أمة محمد قد أوتيت من آيات محمد عليه السلام أكثر من ذلك، قد ظلل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغمامة قبل مبعثه، وكلمته الحجارة والبهائم، وأقبلت إليه الشجرة وحن الجذع، ونبع الماء من بين أصابعه وشبع كثير من الناس من