تقدم في الآيات وصف المردة من بني إسرائيل وذكر أفعالهم وذنوبهم، ثم جاء بالوعيد النص لهم بلفظ جلي عام لهم ولغيرهم ممن فعل فعلهم من الكفر، والقراءة المشهورة نُصْلِيهِمْ بضم النون من أصليت ومعناه قربت من النار وألقيت فيها، وهو معنى صليت بتشديد اللام، وقرأ حميد «نصليهم» بفتح النون من صليت، ومعناه شويت، ومنه الحديث، أتي رسول الله بشاة مصلية، أي مشوية، وكذا وقع تصريف الفعل في العين وغيره، وقرأ سلام ويعقوب «نصليهم» بضم الهاء، واختلف المتأولون في معنى تبديل الجلود، فقالت فرقة: تبدل عليهم جلود غيرها، إذ نفوسهم هي المعذبة والجلود لا تألم في ذاتها، فإنها تبدل ليذوقوا تجديد العذاب، وقالت فرقة:«تبديل الجلود» هو إعادة ذلك الجلد بعينه الذي كان في الدنيا، تأكله النار ويعيده الله دأبا لتجدد العذاب، وإنما سماه «تبديلا» ، لأن أوصافه تتغير ثم يعاد، كما تقول: بدل من خاتمي هذا خاتما وهي فضته بعينها، فالبدل إنما وقع في تغيير الصفات، وقال ابن عمر، كلما احترقت جلودهم بدلوا جلودا بيضاء كالقراطيس، وقال الحسن بن أبي الحسن، تبدل عليهم في اليوم سبعين ألف مرة، وقالت فرقة: الجلود في هذا الموضع سرابيل القطران، سماها جلودا للزومها فصارت كالجلود، وهي تبدل دأبا عافانا الله من عذابه برحمته، حكاه الطبري، وحسن الاتصاف بعد هذه المقدمات بالعزة والإحكام، لأن الله لا يغالبه مغالب إلا غلبه الله، ولا يفعل شيئا إلا بحكمة وإصابة، لا إله إلا هو تبارك وتعالى.
ولما ذكر الله وعيد الكفار، عقب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة، وقرأ ابن وثاب والنخعي، «سيدخلهم» بالياء وكذلك «يدخلهم» بعد ذلك وقد تقدم القول في معنى مِنْ تَحْتِهَا في سورة البقرة ومُطَهَّرَةٌ معناه: من الريب والأقذار التي هي معهودات في الدنيا وظَلِيلًا معناه: عند بعضهم يقي الحر والبرد، ويصح أن يريد أنه ظل لا يستحيل ولا ينتقل، كما يفعل ظل الدنيا، فأكده بقوله ظَلِيلًا لذلك، ويصح أن يصفه بظليل لامتداده، فقد قال عليه السلام:«إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها» .