قال القاضي أبو محمد: وأيضا فذكر أحدهما يدل على الآخر، ومنه قول الشاعر:
وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني
قال القاضي أبو محمد: وهذه التي ذكرناها هي بلاد الحجاز، وإلا ففي بلاد العرب ما فيه برد شديد، ومنه قول متمم:
إذ القشع من برد الشتاء تقعقعا.
ومنه قول الآخر:
في ليلة من جمادى ذات أندية.
البيتين، وغير هذا، والسرابيل التي تقي البأس هي الدرع، ومنه قول كعب بن زهير: [البسيط]
شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل
وقال أوس بن حجر:
ولنعم حشو الدرع والسربال.
فهذا يراد به القميص، و «البأس» مس الحديد في الحرب، وقرأ الجمهور «يتم نعمته» ، وقرأ ابن عباس «تتم نعمته» على أن النعمة هي تتم، وروي عنه «تتم نعمه» على الجمع وقرأ الجمهور «تسلمون» من الإسلام، وقرأ ابن عباس «تسلمون» من السلامة، فتكون اللفظة مخصوصة في بأس الحرب، وما في «لعل» من الترجي والتوقع فهو في حيز البشر المخاطبين، أي لو نظر الناظر هذه الحال لترجى منها إسلامهم.
قوله عز وجل:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٢ الى ٨٥]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥)
هذه الآية فيها موادعة نسختها آية السيف، والمعنى إن أعرضوا فلست بقادر على خلق الإيمان في قلوبهم، وإنما عليك أن تبين وتبلغ أمر الله ونهيه، ثم قرعهم ووبخهم بأنهم يعرفون نعمة الله في هذه الأشياء المذكورة، ويقرون أنها من عنده ثم يكفرون به تعالى، وذلك فعل المنكر للنعمة الجاحد لها، هذا قول مجاهد، فسماهم منكرين للنعمة تجوزا، إذ كانت لهم أفعال المنكر من الكفر برب النعمة وتشريكهم في النعمة الأوثان على وجه ما، وهو ما كانوا يعتقدون للأوثان من الأفعال من الضر والنفع، وقال السدي:
«النعمة» هاهنا محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفهم تعالى بأنهم يعرفون بمعجزاته وآيات نبوته وينكرون ذلك بالتكذيب، ورجحه الطبري، ثم حكم على أكثرهم بالكفر وهم أهل مكة، وذلك أنه كان فيهم من قد داخله الإسلام، ومن أسلم بعد ذلك، وقوله وَيَوْمَ نَبْعَثُ الآية وعيد، والتقدير واذكر يوم نبعث ويرد