هذا ابتداء احتجاج على الكفار، وأَخَذَ اللَّهُ معناه أذهبه وانتزعه بقدرته، ووحد السمع لأنه مصدر مفرد يدل على جمع، والضمير في بِهِ عائد على المأخوذ، وقيل على السمع، وقيل على الهدى الذي يتضمنه المعنى، وقرأ الأعرج وغيره «به انظر» بضم الهاء، ورواها المسيبي وأبو وجزة عن نافع، ويَصْدِفُونَ معناه يعرضون وينفرون، ومنه قول الشاعر:[البسيط]
إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه ... وهنّ عن كلّ سوء يتّقى صدقا
قال النقاش: في الآية دليل على تفضيل السمع على البصر لتقدمته هنا، ثم احتج لذلك بقوله:
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام: ٣٦] وبغير ذلك، والاستفهام في قوله: مَنْ إِلهٌ معناه التوقيف، أي ليس ثمة إله سواه فما بال تعلقكم بالأصنام وتمسككم بها وهي لا تدفع ضررا ولا تأتي بخير، وتصريف الآيات هو نصب العبر ومجيء آيات القرآن بالإنذار والاعذار والبشارة ونحوه وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ الآية، وعيد وتهديد، وبَغْتَةً معناه لا يتقدم عندكم منها علم وجَهْرَةً معناه: تبدو لكم مخايله ومباديه ثم تتوالى حتى تنزل، قال الحسن بن أبي الحسن: بَغْتَةً ليلا وجَهْرَةً نهارا، قال مجاهد: بَغْتَةً فجأة آمنين وجَهْرَةً وهم ينظرون، وقرأ ابن محيصن «هل يهلك» على بناء الفعل للفاعل، والمعنى هل تهلكون ألا أنتم لأن الظلم قد تبين في حيزكم، وهَلْ ظاهرها الاستفهام ومعناها التسوية المضمنة للنفي ولا تكون التسوية بها إلا في النفي، وتكون بالألف في نفي وفي إيجاب، وقوله تعالى: وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ الآية، المعنى إنما نرسل الأنبياء المخصوصين بالرسالة ليبشروا بإنعامنا ورحمتنا لمن آمن وينذروا بعذابنا وعقابنا من كذب وكفر، ولسنا نرسلهم ليقترح عليهم الآيات ويتابعوا شذوذ كل متعسف متعمق، ثم وعد من سلك طريق البشارة فآمن وأصلح في امتثال الطاعات، وأوعد الذين سلكوا طريق النذارة فكذب بآيات الله، وفسق أي خرج عن الحد في كفرانه وعصيانه، وقال ابن زيد: كل فسق في القرآن فمعناه الكذب، ذكره عنه الطبري مسندا ويَمَسُّهُمُ أي يباشرهم ويلصق بهم، وقرأ الحسن والأعمش الْعَذابُ بِما
بإدغام الباء في الباء، ورويت عن أبي عمرو، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش «يفسقون» بكسر السين وهي لغة.