للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخبر سليمان بمناقل سيرها فلما قربت قال أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها، واختلف المفسرون في الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ من هو، فجمهور الناس على أنه رجل صالح من بني إسرائيل اسمه «آصف بن برخيا» روي أنه صلى ركعتين ثم قال يا نبي الله أمدد بصرك فمد بصره نحو اليمن فإذا بالعرش فما رد سليمان بصره إلا وهو عنده، وقال قتادة اسمه بليخا، وقال إبراهيم النخعي هو «جبريل عليه السلام» ، وقال ابن لهيعة هو الخضر وحكى النقاش عن جماعة أنهم سمعوا أنه ضبة بن آد جد بني ضبة من العرب، قالوا وكان رجلا فاضلا يخدم سليمان على قطعة من خيله.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف، وقالت فرقة بل هو سليمان عليه السلام والمخاطبة في هذا التأويل للعفريت لما قال هو أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، كأن سليمان عليه السلام استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ واستدل قائل هذا القول بقول سليمان. هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي، واستدل أيضا بهذا القول مناقضه إذ في كلا الأمرين على سليمان فضل من الله تعالى، وعلى القول الأول المخاطبة لسليمان، ولفظ، آتِيكَ، يحتمل أن يكون فعلا مستقبلا، ويحتمل أن يكون اسم فاعل، وفي الكلام حذف تقديره فدعا باسم الله فجاء العرش بقدرة الله فلما رآه سليمان مستقرا عنده جعل يشكر نعمة ربه بعبارة فيها تعليم للناس وهي عرضة للاقتداء بها والاقتباس منها، وقال ابن عباس المعنى أَأَشْكُرُ على السرير وسوقه أَمْ أَكْفُرُ إذ رأيت من هو دوني في الدنيا أعلم مني وظهر العامل في الظرف من قوله مُسْتَقِرًّا وهذا المقدر أبدا في كل ظرف جاء هنا مظهرا وليس في كتاب الله تعالى مثله. وباقي الآية بين.

قوله عز وجل:

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤١ الى ٤٤]

قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)

أراد سليمان عليه السلام في هذا «التنكير» تجربة ميزها ونظرها وليزيد في الإغراب عليها، وروت فرقة أن الجن أحست من سليمان أو ظنت به أنه ربما تزوج بلقيس، فكرهوا ذلك وعابوها عنده بأنها غير عاقلة ولا مميزة وبأن رجلها كحافر دابة، فجرب عقلها وميزها بتنكير عرشها، وجرب أمر رجلها بأمر الصرح، لتكشف عن ساقيها عنده، وقرأ أبو حيوة «تنظر» بضم الراء، و «تنكير العرش» تغيير وضعه وستر بعضه، ونحو هذا، وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك تنكيره بأن زيد فيه ونقص منه، ويعترض هذا بأن من حقها على هذا أن تقول ليس به وتكون صادقة، وقولها كَأَنَّهُ هُوَ، تجوز فصيح ونحوه قول الله تعالى:

كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: ٣٤] . وقال الحسن بن الفضل شبهوا عليها فشبهت عليهم ولو قالوا هذا عرشك لقالت نعم، وفي الكلام حذف تقديره كأنه هو، وقال سليمان عند ذلك وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها

<<  <  ج: ص:  >  >>