استبد موسى صلى الله عليه وسلم من حيث خصه في السؤال ثم أعلمه من صفات الله تعالى بأن لا شرك لفرعون فيه ولا بوجه مجاز واختلف المفسرون في قوله الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فقالت فرقة معناه أعطى الذكران من كل الحيوان نوعه وخلقته أنثى ثُمَّ هَدى للإتيان، وقالت فرقة بل المعنى أعطى كل موجود من مخلوقاته خلقته وصورته، أي أكمل ذلك له وأتقنه ثُمَّ هَدى أي يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أشرف معنى وأعم في الموجودات، وقرأت فرقة «خلقه» بفتح اللام ويكون المفعول الثاني ب أَعْطى مقدرا تقديره كماله أو خلقته، وقول فرعون فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى يحتمل أن يريد محاجته بحسب ما تقدم من القول ومناقضته فيه، فليس يتجه على هذا أن يريد ما بال القرون الأولى ولم يوجد أمرك عندها، فرد موسى عليه السلام علم ذلك إلى الله تعالى، ويحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام الأول والرجوع إلى سؤال موسى عن حالة من سلف من الناس روغانا في الحجة وحيدة وقال «البال» الحال فكأنه سألهم عن حالهم كما جاء في الحديث «يهديكم الله ويصلح بالكم» . وقال النقاش إنما قال فرعون فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى لما سمع مؤمن آله يا قوم إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ [غافر: ٣٠] مثل دأب قوم نوح وعاد» الآية ورد موسى العلم إلى الله تعالى لأنه لم تأته التوراة بعد. وقوله فِي كِتابٍ يريد في اللوح المحفوظ أو فيما كتبه الملائكة من أحوال البشر. وقرأت فرقة «لا يضل» بفتح الياء وكسر الضاد واختلف في معنى هذه القراءة فقالت فرقة هو ابتداء الكلام تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين وقد كان الكلام تم في قوله فِي كِتابٍ ويَضِلُّ معناه ينتلف ويعمه، وقالت فرقة بل قوله لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى من صفات الكتاب أي إن الكتاب لا يغيب عن الله تعالى، تقول العرب ضلني الشيء إذا لم أجده وأضللته أنا ومنه قول النبي صلى الله عليه حكاية عن الإسرائيلي الذي طلب أن يحرق بعد موته «لعلي أضل الله» الحديث، ويَنْسى أظهرها ما فيه أن يعود ضميره إلى الله تعالى ويحتمل أن يعود إلى الكتاب في بعض التأويلات يصفه بأنه لا يَنْسى أي لا يدع شيئا، فالنسيان هنا استعارة كما قال في موضع آخر إِلَّا أَحْصاها [الكهف: ٤٩] فوصفه بالإحصاء من حيث حصرت فيه الحوادث.