وهي مكية بالإجماع، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: خرجت يوما بمكة متعرضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته قد سبقني للمسجد الحرام، فجئت فوقفت وراءه، فافتتح سورة الحاقة، فلما سمعت سرد القرآن، قلت في نفسي إنه لشاعر، كما تقول قريش حتى بلغ إلى قوله إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ، قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [الحاقة: ٤٠- ٤١- ٤٢- ٤٣] . ثم مر حتى انتهى إلى آخر السورة، فأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام.
الْحَاقَّةُ اسم فاعل، من حق الشيء يحق إذا كان صحيح الوجود، ومنه حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ [الزمر: ٧١] ، والمراد به القيامة والبعث، قاله ابن عباس وقتادة، لأنها حقت لكل عامل عمله. وقال بعض المفسرين: الْحَاقَّةُ مصدر كالعاقبة والعافية، فكأنه قال: ذات الحق. وقال ابن عباس وغيره: سميت القيامة حاقة، لأنها تبدي حقائق الأشياء واللفظة رفع بالابتداء، ومَا، رفع بالابتداء أيضا، والْحَاقَّةُ الثانية: خبر مَا، والجملة خبر الأول، وهذا كما تقول: زيد ما زيد، على معنى التعظيم له والإبهام في التعظيم أيضا، ليتخيل السامع أقصى جهده. وقوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ مبالغة في هذا المعنى: أي أن فيها ما لم تدره من أهوالها، وتفصيل صفاتها. وَما، تقرير وتوبيخ. وقوله تعالى: مَا الْحَاقَّةُ ابتداء وخبر في موضع نصب ب أَدْراكَ، ومَا الأولى، ابتداء وخبرها أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ، وفي أَدْراكَ، ضمير عائد على مَا هو ضمير الفاعل. ثم ذكر تعالى تكذيب «ثمود وعاد» بهذا الأمر الذي هو حق مشيرا إلى أن من كذب بذلك ينزل عليه مثل ما نزل بأولئك. و «القارعة» من أسماء القيامة أيضا، لأنها تقرع القلوب بصدمتها، وثَمُودُ اسم عربي معرفة، فإذا أريد به القبيلة لم ينصرف، وإذا أريد به الحي انصرف، وأما عادٌ: فكونه على ثلاثة أحرف ساكن الوسط دفع في صدر كل علة فهو مصروف. و «الطاغية» قال قتادة: معناه الصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة، وقال قوم: المراد