قوله تعالى: لَوْ تَرى تعجيب لمحمد وأمته من حال الكفرة وما حل بهم، وجواب لَوْ محذوف لأن حذفه أهول إذ يترك الإنسان فيه مع أقصى تخيله، والْمُجْرِمُونَ هم الكافرون بدليل التوعد بالنار وبدليل قولهم إِنَّا مُوقِنُونَ أي أنهم كانوا في الدنيا غير موقنين، وتنكيس الرؤوس هو من الذل واليأس والهم بحلول العذاب وتعلق نفوسهم بالرجعة إلى الدنيا، وفي القول محذوف تقديره يقولون رَبَّنا وقولهم أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا أي ما كنا نخبر به في الدنيا فكنا مكذبين به، ثم طلبوا الرجعة حين لا ينفع ذلك، ثم أخبر تعالى عن نفسه أنه لو شاء لهدى الناس أجمعين بأن يلطف بهم لطفا يؤمنون به ويخترع الإيمان في نفوسهم، هذا مذهب أهل السنة، وقال بعض المفسرين تعرض عليهم آية يضطرهم بها إلى الإيمان.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول بعض المعتزلة، إلا أن من أشرنا إليه من المفسرين لم يقدر قدر القول ولا مغزاه ولذلك حكاه، والذي يقود المعتزلة إلى هذه المقالة أنهم يرون أن من يقدر على اللطف بإنسان حتى يؤمن ولا يفعل فإن ذلك ليس من الحكمة ولا من الأمر المستقيم، والكلام على هذه المسألة يطول وله تواليفه، والْجِنَّةِ الشياطين، وقوله فَذُوقُوا بمعنى يقال لهم ذوقوا، ونَسِيتُمْ معناه تركتم، قاله ابن عباس وغيره، وفي الكلام حذف مضاف تقديره عمل أو عدة ونحوه، وقوله إِنَّا نَسِيناكُمْ سمى العقوبة باسم الذنب، وقوله بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بتكسبكم الآثام، ثم أثنى عز وجل على القوم الذين يؤمنون بآياته ووصفهم بالصفة الحسنى بسجودهم عند التذكير وتسبيحهم وعدم استكبارهم بخلاف ما يصنع الكفر من الإعراض عند التذكير وقول الهجر وإظهار التكبر. وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن، وقال ابن عباس: السجود هنا بمعنى الركوع، وقد روي عن ابن جريج ومجاهد أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من المسجد فكان الركوع يقصد من هذا، ويلزم على هذا أن تكون الآية مدنية، وأيضا فمن مذهب ابن عباس أن القارئ للسجدة يركع واستدل بقوله وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ [ص: ٢٤] .