للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر القادرين بالمقدرين. وقدر ابن أبي عبلة «فقدّرنا» بشد الدال «فنعم المقتدرون» ، و «الكفات» : الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع، تقول كفت الرجل شعره إذا جمعه بخرقة، فالأرض تكفت الأحياء على ظهرها، وتكفت الأموات في بطنها وأَحْياءً على هذا التأويل معمول لقوله كِفاتاً لأنه مصدر. وقال بعض المتأولين أَحْياءً وَأَمْواتاً، إنما هو بمعنى أن الأرض فيها أقطار أحياء وأقطار أموات يراد ما ينبت وما لا ينبت، فنصب أَحْياءً على هذا إنما هو على الحال من الْأَرْضَ، والتأويل الأول أقوى.

وقال بنان خرجنا مع الشعبي إلى جنازة فنظر إلى الجبانة فقال: هذه كفات الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحياء، وكانت العرب تسمي بقيع الغرقد كفتة لأنها مقبرة تضم الموتى، وفي الحديث «خمروا آنيتكم وأوكئوا أسقيتكم واكفتوا صبيانكم وأجيفوا أبوابكم وأطفئوا مصابيحكم» . ودفن ابن مسعود قملة في المسجد ثم قرأ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً.

قال القاضي أبو محمد: ولما كان القبر كِفاتاً كالبيت قطع من سرق منه. و «الرواسي» : الجبال، لأنها رست أي ثبتت، و «الشامخ» : المرتفع، ومنه شمخ بأنفه أي ارتفع واستعلى شبه المعنى بالشخص، و «أسقى» معناه: جعله سقيا للغلات والمنافع، وسقى معناه للشفة خاصة، هذا قول جماعة من أهل اللغة.

وقال آخرون هما بمعنى واحد. و «الفرات» : الصافي العذب، ولا يقال للملح فرات وهي لفظة تجمع ماء المطر ومياه الأنهار وخص النهر المشهور بهذا تشريفا له وهو نهر الكوفة، وسيحان هو نهر بلخ، وجيحان هو دجلة، والنيل نهر مصر. وحكي عن عكرمة أن كل ماء في الأرض فهو من هذه، وفي هذا بعد والله أعلم.

قوله عز وجل:

[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ٢٩ الى ٤٠]

انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨)

فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠)

الضمير في قوله انْطَلِقُوا، هو لِلْمُكَذِّبِينَ [الإنسان: ١٩- ٢٤] الذين لهم الويل يقال لهم انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ من عذاب الآخرة، ولا خلاف في كسر اللام من قوله انْطَلِقُوا في هذا الأمر الأول، وقرأ يعقوب في رواية رويس «انطلقوا إلى ظل» بفتح اللام على معنى الخبر، وقرأ جمهور الناس «انطلقوا» بكسر اللام على معنى تكرار، الأمر الأول وبيان المنطلق إليه، وقال عطاء الظل الذي له ثَلاثِ شُعَبٍ هو دخان جهنم، وروي أنه يعلو من ثلاثة مواضع يراه الكفار فيظنون أنه مغن فيهرعون إليه فيجدونه على أسوأ وصف. وقال ابن عباس: المخاطبة إنما تقال يومئذ لعبدة الصليب إذا اتبع كل واحد ما كان يعبد فيكون المؤمنون في ظل الله ولا ظل إلا ظله، ويقال لعبدة الصليب انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ معبودكم

<<  <  ج: ص:  >  >>