للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرهم: وإن وليتم الأمر وأعرضتم عنه فالله تعالى خبير بفعلكم ومقصدكم فيه، فالولاية والإعراض طرفان، والليّ والإعراض في طريق واحد، وباقي الآية وعيد.

قوله تعالى:

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٦ الى ١٣٧]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧)

اختلف الناس فيمن خوطب بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ فقالت فرقة: الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى من أهل الكتابين، أي: يا من قد آمن بنبي من الأنبياء، آمن بمحمد عليه السلام، ورجح الطبري هذا القول، وقيل: الخطاب للمؤمنين على معنى: ليكن إيمانكم هكذا على الكمال والتوفية بالله تعالى وبمحمد عليه السلام وبالقرآن وسائر الكتب المنزلة، ومضمن هذا الأمر الثبوت والدوام، وقيل:

الخطاب للمنافقين، أي: يا أيها الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم، ليكن إيمانكم حقيقة على هذه الصورة، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر، «نزّل» بضم النون وكسر الزاي المشددة على ما لم يسم فاعله، وكذلك قرؤوا «والكتاب الذي أنزل من قبل» بضم الهمزة وكسر الزاي على ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون «نزل وأنزل» بفتح النون والزاي وبفتح الهمزة في «أنزل» على إسناد الفعلين إلى الله تعالى، وروي عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو، وَالْكِتابِ المذكور أولا هو القرآن، والمذكور ثانيا هو اسم جنس لكل ما نزل من الكتاب، وقوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ إلى آخر الآية وعيد وخبر، مضمنة تحذير المؤمنين من حالة الكفر.

واختلف المتأولون في المراد بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فقالت طائفة منهم قتادة وأبو العالية: الآية في اليهود والنصارى، آمنت اليهود بموسى والتوراة ثم كفروا، وآمنت النصارى بعيسى والإنجيل ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ورجح الطبري هذا القول، وقال الحسن بن أبي الحسن: الآية في الطائفة من أهل الكتاب التي قالت آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [آل عمران: ٧٢] وقال مجاهد وابن زيد: الآية في المنافقين، فإن منهم من كان يؤمن ثم يكفر، ثم يؤمن ثم يكفر، يتردد في ذلك، فنزلت هذه الآية فيمن ازداد كفرا بأن تم على نفاقه حتى مات.

قال القاضي: وهذا هو القول المترجح، وقول الحسن بن أبي الحسن جيد محتمل، وقول قتادة وأبي العالية وهو الذي رجح الطبري قول ضعيف، تدفعه ألفاظ الآية، وذلك أن الآية إنما هي في طائفة يتصف كل واحد منها بهذه الصفة من التردد بين الكفر والإيمان، ثم يزداد كفرا بالموافاة، واليهود والنصارى لم يترتب في واحد منهم إلا إيمان واحد وكفر واحد، وإنما يتخيل فيهم الإيمان والكفر مع تلفيق الطوائف

<<  <  ج: ص:  >  >>