اليمن أي ملكه، واللام في لِيَكُونَ متعلقة بفعل مؤخر تقديره وليكون من الموقنين أريناه، والموقن:
العالم بالشيء علما لا يمكن أن يطرأ له فيك شك، وقال الضحاك ومجاهد أيضا إن الإشارة هاهنا «بملكوت السماوات» هي إلى الكواكب والقمر والشمس، وهذا راجع وداخل فيما قدمناه من أنها رؤية بصر في ظاهر الملكوت، وروي عن ابن عباس في تفسير وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قال جلى له الأمور سرها وعلانيتها فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله تعالى إنك لا تستطيع هذا، فرده لا يرى أعمالهم.
هذه الفاء في قوله فَلَمَّا رابطة جملة ما بعدها وهي ترجح أن المراد بالملكوت هو هذا التفصيل الذي في هذه الآية، و «جن الليل» : ستر وغطى بظلامه، ويقال الجن، والأول أكثر، ويشبه أن يكون الجن والمجن والجنة والجنن وهو القبر مشتقة من جن إذا ستر، ولفظ هذه القصة يحتمل أن تكون وقعت له في حال صباه وقبل بلوغه كما ذهب إليه ابن عباس. فإنه قال: رأى كوكبا فعبده، وقاله ناس كثير إن النازلة قبل البلوغ والتكليف، ويحتمل أن تكون وقعت له بعد بلوغه وكونه مكلفا، وحكى الطبري هذا عن فرقة وقالت إنه استفهم على جهة التوقيف بغير ألف، قال وهذا كقول الشاعر:[الطويل]
رقوني وقالوا يا خويلد لم ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
يريد أهم هم وكما قال الآخر:[الطويل]
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
يريد أشعيث.
قال القاضي أبو محمد: والبيت الأول لا حجة فيه عندي وقد حكي أن نمرود جبار ذلك الزمن رأى منجموه أن مولودا يولد في سنة كذا في عمله، يكون خراب الملك على يديه فجعل يتبع الحبالى ويوكل بهن حراسا فمن وضعت أنثى تركت ومن وضعت ذكرا حمل إلى الملك فذبحه، وأن أم إبراهيم حملت وكانت شابة قوية فسترت حملها فلما قربت ولادتها بعثت تارخ أبا إبراهيم إلى سفر وتحيلت لمضيه إليه ثم خرجت هي إلى غار فولدت فيه إبراهيم وتركته في الغار وقد هيأت عليه، وكانت تفتقده فتجده يغتذي بأن يمص أصابعه فيخرج له منها عسل وسمن ونحوها، وحكي بل كان يغذيه ملك وحكي بل كانت تأتيه بألبان النساء اللاتي ذبح أبناؤهن، فشب إبراهيم أضعاف ما يشب غيره، والملك في خلال ذلك يحس بولادته ويشدد في طلبه فمكث في الغار عشرة أعوام وقيل خمس عشرة سنة، وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكوكب وجرت قصة الآية.