للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَوْا وإِمَّا هي المدخلة للشك في أول الكلام والثانية عطف عليها، والْعَذابَ يريد به عذاب الدنيا ونصرة المؤمنين عليهم، و «الجند» النصرة والقائمون بأمر الحرب، وشَرٌّ مَكاناً بإزاء قولهم خَيْرٌ مَقاماً [مريم: ٧٣] وَأَضْعَفُ جُنْداً بإزاء قولهم أَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم: ٧٢] قوله عز وجل:

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٧٦ الى ٨٠]

وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠)

ولما ذكر ضلالة الكفرة وارتباكهم في الافتخار بنعم الدنيا وعماهم عن الطريق المستقيم عقب ذلك بذكر نعمته على المؤمنين في أنهم يزيدهم هُدىً في الارتباط إلى الأعمال الصالحة والمعرفة بالدلائل الواضحة وزيادة العلم دأبا. قال الطبري عن بعضهم المعنى بناسخ القرآن ومنسوخه ع: وهذا مثال وقوله وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ إشارة إلى ذلك الهدى الذي يزيدهم الله تعالى أي وهذه النعم على هؤلاء خَيْرٌ عند الله ثَواباً وخير مرجعا. والقول في زيادة الهدى سهل بين الوجوه، وأما الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ فقال بعض العلماء هو كل عمل صالح يرفع الله به درجة عامله، وقال الحسن هي «الفرائض» ، وقال ابن عباس هي «الصلوات الخمس» وروي عن النبي عليه السلام «أنها الكلمات المشهورات سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» . وقد قال رسول الله عليه السلام لأبي الدرداء «خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن فهن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة» . وروي عنه عليه السلام أنه قال يوما «خذوا جنتكم» قالوا يا رسول الله أمن عدو حضر قال «من النار» قالوا ما هي يا رسول الله، قال «سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» ، وهن الباقيات الصالحات» . وكان أبو الدرداء يقول إذا ذكر هذا الحديث: لأهللن، ولأكبرن الله، ولأسبحنه حتى إذا رآني الجاهل ظنني مجنونا، وقوله أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ الآية، الفاء في قوله أَفَرَأَيْتَ عاطفة بعد ألف الاستفهام وهي عاطفة جملة على جملة، والَّذِي كَفَرَ يعني به العاصي بن وائل السمهي، قاله جمهور المفسرين، وكان خبره أن خباب بن الأرت كان قينا في الجاهلية فعمل له عملا واجتمع له عنده دين فجاءه يتقاضاه فقال له العاصي لا أنصفك حتى تكفر بمحمد، فقال خباب: لا أكفر بمحمد حتى يمييتك الله ثم يبعثك، قال العاصي: أو مبعوث أنا بعد الموت؟ قال خباب نعم، قال: فإنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك، فنزلت الآية في ذلك، وقال الحسن نزلت الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي وقد كانت للوليد أيضا أقوال تشبه هذا الغرض، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «وولدا» على معنى اسم الجنس بفتح الواو واللام وكذلك في سائر ما في القرآن إلا في سورة نوح مالُهُ وَوَلَدُهُ [نوح: ٢١] فإنما قرأ بضم الواو وسكون اللام، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كل القرآن، وقرأ حمزة والكسائي «وولدا» بضم الواو وسكون اللام وكذلك في جميع القرآن، وقرأ ابن مسعود «ولدا» بكسر الواو وسكون اللام، واختلف مع ضم الواو فقال بعضهم: هو جمع «ولد كأسد وأسد» واحتجوا بقول الشاعر: [مجزوء الكامل]

فلقد رأيت معاشرا ... قد ثمروا مالا وولدا

وقال بعضهم هو بمعنى الولد واحتجوا بقول الشاعر: [الطويل]

فليت فلانا كان في بطن أمه ... وليت فلانا كان ولد حمار

قال أبو علي في قراءة حمزة والكسائي ما كان منه مفردا قصد به المفرد، وما كان منه جمعا قصد

<<  <  ج: ص:  >  >>