للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ شرط في أن تكون البقية خيرا لهم، وأما مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال، وجواب هذا الشرط، متقدم، و «الحفيظ» المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب، والمعنى:

إنما أنا مبلغ والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال.

قوله عز وجل:

[سورة هود (١١) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]

قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)

قرأ جمهور الناس «أصلواتك» بالجمع، وقرأ ابن وثاب «أصلاتك» بالإفراد، وكذلك قرأ في براءة إِنَّ صَلاتَكَ [التوبة: ٩] وفي المؤمنين: عَلى صَلَواتِهِمْ [المؤمنون: ٩] كل ذلك بالإفراد.

واختلف في معنى «الصلاة» هنا، فقالت فرقة: أرادوا الصلوات المعروفة، وروي أن شعيبا عليه السّلام كان أكثر الأنبياء صلاة، وقال الحسن: لم يبعث الله نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة. وقيل:

أرادوا قراءتك. وقيل أرادوا: أمساجدك؟ وقيل: أرادوا: أدعواتك.

قال القاضي أبو محمد: وأقرب هذه الأقوال الأول والرابع وجعلوا الأمر من فعل الصلوات على جهة التجوز، وذلك أن كل من حصل في رتبة من خير أو شر ففي الأكثر تدعوه رتبته إلى التزيد من ذلك النوع:

فمعنى هذا: ألما كنت مصليا تجاوزت إلى ذم شرعنا وحالنا؟ فكأن حاله من الصلاة جسرته على ذلك فقيل: أمرته، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: ٤٥] .

وقوله: أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا نص في أنهم كانوا يعبدون غير الله تعالى وقرأ جمهور الناس:

«نفعل» و «نشاء» بنون الجماعة فيهما وقرأ الضحاك بن قيس «تفعل» و «تشاء» بتاء المخاطبة فيهما: ورويت عن أبي عبد الرحمن: «نفعل» بالنون. «ما تشاء» بالتاء، ورويت عن ابن عباس. فأما من قرأ بالنون فيهما ف أَنْ الثانية عطف على ما لا على أَنْ الأولى، لأن المعنى يصير: أصلواتك تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ وهذا قلب ما قصدوه. وأما من قرأ بالتاء فيهما فيصح عطف أَنْ الثانية على ما لا على أَنْ الأولى، قال بعض النحويين، ويصح عطفها على ما ويتم المعنى في الوجهين.

قال القاضي أبو محمد: ويجيء نَتْرُكَ في الأول بمعنى نرفض، وفي الثاني بمعنى نقرر، فيتعذر عندي هذا الوجه لما ذكرته من تنوع الترك على الحكم اللفظي أو على حذف مضاف، ألا ترى أن الترك في قراءة من قرأ بالنون في الفعلين إنما هو بمعنى الرفض غير متنوع، وأما من قرأ بالنون في «نفعل» والتاء في «تشاء» ف أَنْ معطوفة على الأولى، ولا يجوز أن تنعطف على ما لأن المعنى- أيضا- ينقلب، فتدبره.

<<  <  ج: ص:  >  >>