للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحابُ الْأُخْدُودِ، وقيل: أَصْحابُ الْأُخْدُودِ ذو نواس في قصة عبد الله بن التامر التي وقعت في السير، وقيل: كان أَصْحابُ الْأُخْدُودِ في بني إسرائيل.

قال القاضي أبو محمد: ورأيت في بعض الكتب أن أَصْحابُ الْأُخْدُودِ هو محرق وآله الذي حرق من بني تميم المائة، ويعترض هذا القول بقوله تعالى: وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، فينفصل عن هذا الاعتراض بأن هذا الكلام من قصة أَصْحابُ الْأُخْدُودِ، وأن المراد بقوله: وَهُمْ قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات، واختلف الناس في جواب القسم، فقال بعض النحاة: هو محذوف لعلم السامع به، وقال آخرون: هو في قوله تعالى: قُتِلَ، والتقدير لقتل، وقال قتادة: هو في قوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: ١٢] . وقال آخرون: هو في قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ [البروج: ١٠] . وقوله تعالى: النَّارِ، بدل من الْأُخْدُودِ، وهو بدل اشتمال، وهي قراءة الجمهور:

«النار» بخفض الراء، وقرأ قوم «النار ذات» بالرفع على معنى: قتلهم النار، و «الوقود» بالضم مصدر من وقدت النار إذا اضطرمت، و «الوقود» : بفتح الواو، ما توقد به، وقرأ الجمهور: بفتح الواو، وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة: بضمها، وكان من قصة هؤلاء أن الكفار قعدوا وضم المؤمنون، وعرض عليهم الكفر، فمن أبي رمي في أخدود النار فاحترق، فروي أنه أحرق عشرين ألفا، وقال الربيع بن أنس وأصحابه وابن إسحاق وأبو العالية: بعث الله تعالى على المؤمنين ريحا فقبضت أرواحهم أو نحو هذا، وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على جانبي الأخدود، وعلى هذا يجيء قُتِلَ خبر الادعاء، وقال قتادة:

إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ، يعني المؤمنين، ونَقَمُوا معناه: اعتدوا، وقرأ جمهور الناس: «نقموا» ، بفتح القاف، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة: «نقموا» بكسر القاف.

قوله عز وجل:

[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٠ الى ١٦]

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)

ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)

فَتَنُوا معناه: أحرقوا، وفتنت الذهب والفضة في النار أحرقتهما، والفتين حجارة الحرة السود لأن الشمس كأنها أحرقتها، ومن قال إن هذه الآيات الأواخر في قريش جعل الفتنة الامتحان والتعذيب، ويقوي هذا التأويل بعض التقوية قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا لأن هذا اللفظ في قريش أحكم منه في أولئك الذين قد علم أنهم ماتوا على كفرهم، وأما قريش فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب بعد ذلك وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، و «جهنم» و «الحريق» طبقتان من النار، ومن قال إن النار خرجت وأحرقت الكافرين القعود، جعل «الحريق» في الدنيا، و «البطش» : الأخذ بقوة وشرعة، ويُبْدِئُ وَيُعِيدُ، قال الضحاك وابن زيد معناه: يُبْدِئُ الخلق بالإنشاء وَيُعِيدُ بالحشر، وقال ابن عباس ما معناه: إن ذلك عام في جميع الأشياء، فهي عبارة عن أنه يفعل كل شيء إنه يُبْدِئُ وَيُعِيدُ كلما ينعاد، وهذان قسمان

<<  <  ج: ص:  >  >>