[الأنعام: ١٤٦] وقوله وَما ظَلَمْناهُمْ أي لم نضع العقوبة بتحريم تلك الأشياء عليهم في غير موضعها، بل هم طرقوا إلى ذلك وجاء من تسبيبهم بالمعاصي ما أوجب ذلك. وقوله ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ هذه آية تأنيس لجميع العالم، أخبر الله تعالى فيها أنه يغفر للتائب، والآية إشارة إلى الكفار الذين افتروا على الله وفعلوا الأفاعيل المذكورة، فهم إذا تابوا من كفرهم بالإيمان وأصلحوا من أعمال الإسلام غفر الله لهم، وتناولت هذه الآية بعد ذلك كل واقع تحت لفظها من كافر وعاص. وقالت فرقة «الجهالة» العمد، و «الجهالة» عندي في هذا الموضع ليست ضد العلم بل هي تعدي الطور وركوب الرأس، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «أو أجهل أو يجهل علي» . وهي التي في قول الشاعر:[الوافر]
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والجهالة التي هي ضد العلم تصحب هذه الأخرى كثيرا، ولكن يخرج منها المتعمد وهو الأكثر، وقلما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بخطر المعصية التي يواقع. والضمير في بَعْدِها عائد على التوبة.
لما كشف الله تعالى فعل اليهود وتحكمهم في شرعهم بذكر ما حرم عليهم، أراد أن يبين بعدهم عن شرع إبراهيم والدعوى فيه أن يصف حال إبراهيم ليبين الفرق بين حاله وحال قريش أيضا، وأُمَّةً لفظة مشتركة تقع للعين والقامة والجمع الكثير من الناس، ثم يشبه الرجل العالم أو الملك أو المنفرد بطريقة وحده بالناس الكثير فيسمى أُمَّةً، وعلى هذا الوجه سمي إبراهيم عليه السلام أُمَّةً، قال ابن مسعود:
«الأمة» معلم الخير، وكان معاذ بن جبل «أمة قانتا» ، وقال في بعض أوقاته إن معاذا كان أُمَّةً قانِتاً فقال قرة الكندي أو فروة بن نوفل: ليس كذلك إنما هو إبراهيم، فقال أتدري ما الأمة، هو معلم الخير وكذلك كان معاذ يعلم الخير ويطيع الله ورسوله، وقال مجاهد: سمي إبراهيم أُمَّةً لانفراده بالإيمان في وقته مدة.
قال القاضي أبو محمد: وفي البخاري أنه قال لسارة ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك، وقال بعض النحويين، أظنه أبا الحسن الأخفش:«الأمة» فعلة من أم يؤم فهو كالهزأة والضحكة أي يؤتم به.
قال القاضي أبو محمد: ف أُمَّةً على هذا صفة، وعلى القول الأول اسم ليس بصفة، و «القانت» المطيع الدائم على العبادة، و «الحنيف» المائل إلى الخير والإصلاح، وكانت العرب تقول، لمن يختتن ويحج البيت حنيفا، وحذف النون من «لم يكن» لكثرة الاستعمال كحذفهم من لا أبال ولا أدر، وهو أيضا