للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل عندي أنه لفظ قاله عليه السلام لشدة هول ما اطلع ولم يعن به التوبة من شيء معين ولكنه لفظ يصلح لذلك المقام.

قال القاضي أبو محمد: والذي يتحرز منه أهل السنة أن تكون توبة من سؤال المحال كما زعمت المعتزلة، وقرأ نافع وَأَنَا بإثبات الألف في الإدراج، قال الزهراوي والأولى حذفها في الإدراج وإثباتها لغة شاذة خارجة عن القياس، وقوله أَوَّلُ إما أن يريد من قومه بني إسرائيل، وهو قول ابن عباس ومجاهد أو من أهل زمانه ان كان الكفر قد طبق الآفاق وإما أن يريد أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا، قاله أبو العالية.

قوله عز وجل:

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٥]

قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥)

ثم ان الله تعالى قرر موسى على آلائه عنده على جهة الإخبار وقنعه بها وأمره بالشكر عليها وكأنه قال ولا تتعدها إلى غيرها، و «اصطفى» أصله اصتفى وهو افتعل من صفا يصفو انقلبت التاء طاء لمكان الصاد، ومعناه تخيرتك وخصصتك، ولا تستعمل إلا في الخير والمنن، لا يقال اصطفاه لشر، وقوله عَلَى النَّاسِ عام والمراد الخصوص فيمن شارك موسى في الإرسال، فإن الأنبياء كلهم المرسلين مشاركون له بما هم رسل، والظاهر من الشريعة أن موسى مخصص بالكلام وإن كان قد روي في تكليم الله غيره أشياء بما يشاء من أعظمها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم فقال هو نبي مكلّم.

قال القاضي أبو محمد: إلا أن ذلك قد تأول بأنه كان في الجنة فيتحفظ على هذا تخصيص موسى، ويصح أن يكون قوله عَلَى النَّاسِ عموما مطلقا في مجموع الدرجتين الرسالة والكلام. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «برسالاتي» على الجمع إذ الذي أرسل به ضروب، وقرأ ابن كثير ونافع «برسالتي» على الإفراد الذي يراد به الجمع وتحل الرسالة هاهنا محل المصدر الذي هو الإرسال، وقرأ جمهور الناس و «بكلامي» ، وقرأ أبو رجاء «برسالتي وبكلمتي» ، وقرأ الأعمش «برسالاتي وبكلمي» ، وحكى عنه المهدوي «وتكليمي» على وزن تفعيلي، وقوله فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله، فإن جميع النعم من عنده بمقدار وكل الأمور بمرأى من الله ومسمع.

وقوله تعالى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ الآية، الضمير في لَهُ عائد على موسى عليه السلام، والألف واللام في الْأَلْواحِ عوض من الضمير الذي يقدر وصله بين الألواح وموسى عليه السلام، تقديره في ألواحه، وهذا كقوله تعالى: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: ٤١] مأواه وقيل: كانت الألواح اثنين، وقيل سبعة، وقال مجاهد وابن عباس: كانت الألواح من زمرد، وقال ابن جبير من ياقوت أحمر، وقال أبو العالية أيضا من برد، وقال الحسن من خشب، وقوله مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لفظه عموم والمراد به كل شيء ينفع في معنى الشرع ويحتاج إليه في المصلحة، وقوله لِكُلِّ شَيْءٍ مثله، قال ابن جبير: ما أمروا به ونهوا عنه، وقاله مجاهد: وقال السدي: الحلال والحرام. وقوله بِقُوَّةٍ معناه بجد وصبر عليها واحتمال لمؤنها قاله ابن عباس والسدي، وقال الربيع بن أنس بِقُوَّةٍ هنا بطاعة، وقال ابن عباس أمر موسى أن يأخذه بأشد مما أمر به قومه، و «خذ» أصله أؤخذ حذفت الهمزة التي هي فاء الفعل على غير قياس فاستغني عن الأول، وقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>