وليلته درعا تساوي ألف درهم حتى ادخر منها كثيرا وتوسعت معيشة منزله، وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين، وقوله تعالى: أَنِ اعْمَلْ قيل إن أَنِ مفسرة لا موضع لها من الإعراب، وقيل هي في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، و «السابغات» الدروع الكاسيات ذوات الفضول، قال قتادة داود عليه السلام أول من صنعها، ودرع الحديد مؤنث ودرع المرأة مذكر، وقوله تعالى: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ اختلف المتأولون في أي شيء هو التقدير من أشياء السرد، إذ السرد هو اتباع الشيء بالشيء من جنسه، قال الشماخ:«كما تابعت سرد العنان الخوارز» ، ومنه سرد الحديث، وقيل للدرع مسرودة لأنها توبعت فيها الحلق بالحلق ومنه قول الشاعر [القرطبي] : [الكامل]
وعليهما مسرودتان قضاهما ... دواد أو صنع السوابغ تبع
ومنه قول دريد بالفارسي المسرد، فقال ابن زيد: التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة أي لا تعملها صغيرة فتضعف ولا تقوى الدرع على الدفاع ولا تعملها كبيرة فينال لاسبها من خلالها، وقال ابن عباس التقدير الذي أمر به هو المسمار يريد ثقبه حين يشد نتيرها، وذكر البخاري في مصنفه ذلك فقال: المعنى لا تدق المسمار فيسلسل، ويروى فيتسلسل، ولا تغلظه فيقصم بالقاف، وبالفاء أيضا رواية، وروى قتادة أن الدروع كانت قبله صفائح فكانت ثقالا، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع بين الخفة والحصانة، أي قدر ما يأخذ من هذين المعنيين بقسطه، أي لا تقصد الحصانة فتثقل ولا الخفة وحدها فتزيل المنعة، وقوله تعالى: وَاعْمَلُوا صالِحاً لما كان الأمر لداود وآله حكى وإن كانوا لم يجر لهم ذكر لدلالة المعنى عليهم، ثم توعدهم تعالى بقوله: إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي لا يخفى علي حسنه من قبيحة وبحسب ذلك يكون جزائي لكم.
قال الحسن: عقر سليمان الخيل أسفا على ما فوتته من فضل وقت صلاة العصر فأبدله الله تعالى خيرا منها وأسرع الريح تجري بأمره، وقرأ جمهور القراء «الريح» بالنصب على معنى ولسليمان سخرنا الريح، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والأعرج «الريح» بالرفع على تقديره تسخرت الريح أو على الابتداء والخبر في المجرور، وذلك على حذف مضاف تقديره ولسليمان تسخير الريح، وقرأ الحسن «ولسليمان تسخير الرياح» وكذلك جمع في كل القرآن، وقوله تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ قال قتادة معناه أنها كانت تقطع به في الغدو إلى قرب الزوال مسيرة شهر وتقطع به في الرواح من بعد الزوال إلى الغروب مسيرة شهر، فروي عن الحسن البصري أنه قال كان يخرج من الشام من مستقره تدمر التي بنتها له الجن بالصفاح والعمد فيقيل في إصطخر ويروح منها فيبيت في كابل من أرض خراسان ونحو هذا، وكانت الأعصار تقل بساطه وتحمله بعد ذلك الرخاء، وكان هذا البساط من خشب يحمل فيما روي أربعة آلاف فارس وما