للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٢ الى ٩٥]

وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥)

البينات التوراة والعصا وفرق البحر وغير ذلك من آيات موسى عليه السلام وقوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ تدل ثم على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات، وذلك أعظم في دينهم «١» ، وقد تقدمت قصة اتخاذهم العجل، والضمير في قوله مِنْ بَعْدِهِ عائد على موسى عليه السلام، أي من بعده حين غاب عنكم في المناجاة، ويحتمل أن يعود الضمير في بَعْدِهِ على المجيء. وهذه الآية رد عليهم في أن من آمن بما نزل عليه لا يتخذ العجل، وقد تقدم ذكر أخذ الميثاق ورفع الطور.

وقوله تعالى: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ يعني التوراة والشرع، وبِقُوَّةٍ أي بعزم ونشاط وجد.

وَاسْمَعُوا معناه هنا: وأطيعوا، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط.

وقالت طائفة من المفسرين: إنهم قالوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا. ونطقوا بهذه الألفاظ مبالغة في التعنت والمعصية. وقالت طائفة: ذلك مجاز ولم ينطقوا ب سَمِعْنا وَعَصَيْنا، ولكن فعلهم اقتضاه، كما قال الشاعر [الرجز] :

امتلأ الحوض وقال قطني وهذا أيضا احتجاج عليهم في كذب قولهم نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا [البقرة: ٩١] ، وقوله تعالى:

وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ التقدير حب العجل، والمعنى جعلت قلوبهم تشربه، وهذا تشبيه ومجاز، عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم، وقال قوم: إن معنى قوله وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ شربهم الماء الذي ألقى فيه موسى برادة العجل، وذلك أنه برده بالمبرد ورماه في الماء، وقيل لبني إسرائيل:

اشربوا من ذلك الماء فشرب جميعهم، فمن كان يحب العجل خرجت برادة الذهب على شفتيه.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يرده قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمُ، وروي أن الذين تبين فيهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجبن، وقوله تعالى بِكُفْرِهِمْ يحتمل أن تكون باء السبب، ويحتمل أن تكون بمعنى مع، وقوله تعالى: قُلْ بِئْسَما الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم بأنه بئس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا [البقرة: ٩١] ،


(١) في نسخة: وذلك أعظم لذنبهم في دينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>