وقرأ أبو عمرو وابن كثير «أن ينزل» بالتخفيف في النون والزاي، ومِنْ فَضْلِهِ يعني من النبوة والرسالة. ومَنْ يَشاءُ يعني به محمدا صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب.
ويدخل في المعنى عيسى عليه السلام لأنهم قد كفروا به بغيا، والله قد تفضل عليه، و «باؤوا» معناه: مضوا متحملين لما يذكر أنهم باؤوا به، وبِغَضَبٍ معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم، قيل لعبادتهم العجل، وقيل لقولهم عزير ابن الله، وقيل لكفرهم بعيسى عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمعنى على غضب قد باء به أسلافهم حظ هؤلاء منه وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها.
وقال قوم: المراد بقوله بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ التأكيد وتشديد الحال عليهم لا أنه أراد غضبين معللين بقصتين، ومُهِينٌ مأخوذ من الهوان وهو ما اقتضى الخلود في النار لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد لا هوان فيه بل هو تطهير له.
وقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ يعني: اليهود أنهم إذا قيل لهم: آمنوا بالقرآن الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا يعنون التوراة وما وراءه. قال قتادة: أي ما بعده، وقال الفراء: أي ما سواه ويعني به القرآن، وإذا تكلم رجل أو فعل فعلا فأجاد يقال له ما وراء ما أتيت به شيء، أي ليس يأتي بعده. ووصف الله تعالى القرآن بأنه الحق، ومُصَدِّقاً حال مؤكدة عند سيبويه، وهي غير منتقلة، وقد تقدم معناها في الكلام ولم يبق لها هي إلا معنى التأكيد، وأنشد سيبويه على الحال المؤكدة. [البسيط] :
أنا ابن دارة معروفا بها حسبي ... وهل لدارة يا للنّاس من عار
ولِما مَعَهُمْ يريد به التوراة.
وقوله تعالى: قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ الآية رد من الله تعالى عليهم في أنهم آمنوا بما أنزل عليهم، وتكذيب منه لهم في ذلك، واحتجاج عليهم. ولا يجوز الوقف على فَلِمَ لنقصان الحرف الواحد إلا أن البزي وقف عليه بالهاء، وسائر القراء بسكون الميم. وخاطب الله من حضر محمدا صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل بأنهم قتلوا الأنبياء لما كان ذلك من فعل أسلافهم. وجاء تَقْتُلُونَ بلفظ الاستقبال وهو بمعنى المضي لما ارتفع الإشكال بقوله مِنْ قَبْلُ وإذا لم يشكل فجائز سوق الماضي بمعنى المستقبل وسوق المستقبل بمعنى الماضي. قال الحطيئة [الكامل أخذ مضمر] .
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر
وفائدة سوق الماضي في موضع المستقبل، الإشارة إلى أنه في الثبوت كالماضي الذي قد وقع.
وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر. ألا ترى أن حاضري محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا راضين بفعل أسلافهم بقي لهم من قتل الأنبياء جزء، وإِنْ كُنْتُمْ شرط والجواب متقدم، وقالت فرقة: إِنْ نافية بمعنى ما.