فهم قبل أن تخرجهم الشفاعة في غمرة قد قاربوا الموت، إلا أنهم لا يجهز عليهم ولا يجدد عذابهم فهذا فرق ما بينهم وبين الكفار. وفي الحديث الصحيح «أنهم يماتون إماتة» وهذا هو معناه لأنه لا يموت في الآخرة. والدَّرَجاتُ الْعُلى هي القرب من الله تعالى وتَزَكَّى معناه أطاع الله تعالى وأخذ بأزكى الأمور وتأتل التكسب في لفظة تَزَكَّى فإنه بين.
هذا استئناف إخبار عن موسى من أمر موسى وبينه وبين مقال السحرة المتقدم مدة من الزمان حدثت فيها لموسى وفرعون حوادث، وذلك أن فرعون لما انقضى أمر السحرة وغلب موسى وقوي أمره وعده فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل فأقام موسى على وعده حتى غدره فرعون ونكث وأعلمه أنه لا يرسلهم معه، فبعث الله حينئذ الآيات المذكورة في غير هذه الآيات الجراد والقمل إلى آخرها كلما جاءت آية وعد فرعون أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف القول فإذا انكشف نكث حتى تأتي أخرى، فلما كانت الآيات أوحى الله تعالى إلى موسى أن يخرج بني إسرائيل من مصر في الليل هاربا. و «السرى» سير الليل، وأَنْ في قوله أَنْ أَسْرِ يجوز أن تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب كقوله عز وجل: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [ص: ١٠] ويجوز أن تكون الناصبة للأفعال وتكون في موضع نصب ب أَوْحَيْنا وقوله تعالى بِعِبادِي إضافة تشريف لنبي إسرائيل، وكل الخلق عباد الله، ولكن هذا كقوله تعالى:
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: ٢٩] ، وروي من قصص هذه الآية أن بني إسرائيل لما أشعرهم موسى عليه السلام بليلة الخروج استعاروا من معارفهم من القبط حليا وثيابا وكل أحد ما اتفق له.
ويروى أن موسى أذن لهم في ذلك وقال لهم:«إن الله سينفلكموها» ، ويروى أنهم فعلوا ذلك دون إذنه عليه السلام وهو الأشبه به وسيأتي في جمع الحلي ما يؤيد ذلك، ويروى أن بني إسرائيل عجنوا زادهم ليلة سراهم ووضعوه ليختمر فأعجلهم موسى عليه السلام في الخروج فطبخوه فطيرا فهي سنتهم في ذلك العام إلى هلم، ويروى أن موسى عليه السلام نهض ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف إنسان فسار بهم من مصر يريد بحر القلزم واتصل الخبر بفرعون فجمع جنوده وحشرهم ونهض وراءه فأوحي إلى موسى أن يقصد الْبَحْرِ فخرج بنو إسرائيل فرأوا أن العذاب من ورائهم والبحر من أمامهم وموسى يثق بصنع الله تعالى فلما رآهم فرعون قد هبطوا نحو البحر طمع فيهم، وكان مقصدهم إلى موضع منقطع فيه الفحوص والطرق الواسعة، واختلف الناس في عدد جند فرعون فقيل كان في خيله سبعون ألف أدهم ونسبة ذلك من سائر الألوان، وقيل أكثر من هذا مما اختصرته لقلة صحته، فلما وصل موسى البحر وقارب فرعون لحاقه وقوي فزع بني إسرائيل أوحى الله تعالى إلى موسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [الشعراء: ٦٣] ، ويروى أن الوحي إليه بذلك كان متقدما وهو ظاهر الآية، ويروى أنه إنما أوحي إليه ذلك في موطن وقوعه واتصل