وقوله لِتَعْلَمُوا المعنى قدر هذين النيرين، مَنازِلَ لكي «تعلموا» بها، عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ رفقا بكم ورفعا للالتباس في معاشكم وتجركم وإجاراتكم وغير ذلك مما يضطر فيه إلى معرفة التواريخ، وقوله ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ أي للفائدة لا للعب والإهمال فهي إذا يحق أن تكون كما هي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص «يفصل الآيات» ، وقرأ ابن كثير أيضا وعاصم والباقون والأعرج وأبو جعفر وشيبة وأهل مكة والحسن والأعمش «نفصل» بنون العظمة، وقوله لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إنما خصهم لأن نفع التفصيل فيهم ظهر وعليهم أضاء وإن كان التفصيل إنما وقع مجملا للكل معدا ليحصله الجميع، وقرأ جمهور السبعة وقد رويت عن ابن كثير «ضياء» ، وقرأ ابن كثير وحده فيما روي أيضا عنه «ضئاء» بهمزتين، وأصله ضياء فقلبت فجاءت ضئائا، فقلبت الياء همزة لوقوعها بين ألفين، قال أبو علي: وهي غلط، وقوله تعالى إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ الآية، آية اعتبار وتنبيه، ولفظه الاختلاف تعم تعاقب الليل والنهار وكونهما خلفه وما يتعاورانه من الزيادة والنقص وغير ذلك من لواحق سير الشمس وبحسب أقطار الأرض، قوله وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لفظ عام لجميع المخلوقات، و «الآيات» العلامات والدلائل، وخصص «القوم المتقين» تشريفا لهم إذ الاعتبار فيهم يقع ونسبتهم إلى هذه الأشياء المنظور فيها أفضل من نسبة من لم يهتد ولا اتقى.
قال أبو عبيدة وتابعه القتبي وغيره، يَرْجُونَ في هذه الآية بمعنى يخافون واحتجوا ببيت أبي ذؤيب:[الطويل]
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عواسل
وحكى المهدوي عن بعض أهل اللغة وقال ابن سيده والفراء: إن لفظة الرجاء إذا جاءت منفية فإنها تكون بمعنى الخوف، وحكي عن بعضهم أنها تكون بمعناها في كل موضع تدل عليه قرائن ما قبله وما بعده، فعلى هذا التأويل معنى الآية: إن الذين لا يخافون لقاءنا، وقال ابن زيد: هذه الآية في الكفار، وقال بعض أهل العلم:«الرجاء» في هذه الآية على بابه، وذلك أن الكافر المكذب بالبعث ليس يرجو رحمة في الآخرة ولا يحسن ظنا بأنه يلقى الله ولا له في الآخرة أمل، فإنه لو كان له فيها أمل لقارنه لا محالة