المفسرون، وأن يهيىء لهم من أمرهم رَشَداً أي خلاصا جميلا، وقرأ الجمهور «رشدا» بفتح الراء والشين، وقرأ أبو رجاء «رشدا» بضم الراء وسكون الشين، والأولى أرجح لشبهها بفواصل الآيات قبل وبعد، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم، وألفاظه تقتضي ذلك، وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه هذه الآية فقط، فإنها كافية، ويحتمل ذكر «الرحمة» أن يراد بها أمر الآخرة وقد اختصرت هذا القصص، ولم أغفل من مهمه شيئا بحسب اجتهادي، والله المعين برحمته، وقوله فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ الآية عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم، ويعبر عن هذا ونحوه ب «الضرب» لتبين قوة المباشرة وشدة اللصوق في الأمر المتكلم فيه والإلزام، ومنه ضرب الذلة والمسكنة، ومنه ضرب الجزية، ومنه ضرب البعث. ومنه قول الفرزدق:[الكامل]
ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل
فهذا يستعمل في اللزوم البليغ، وأما تخصيص «الآذان» بالذكر فلأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم، وقلّما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه، ولا يستحكم نوم إلا مع تعطل السمع، ومن ذكر الأذن في النوم قوله صلى الله عليه وسلم «ذلك رجل بال الشيطان في أذنه» أشار عليه السلام إلى رجل طويل النوم لا يقوم بالليل، وقوله عَدَداً نعت للسنين، والقصد به العبارة عن التكثير، أي تحتاج إلى عدد وهي ذات عدد، قال الزجاج: ويجوز أن يكون نصب عَدَداً على المصدر، و «البعث» التحريك بعد سكون، وهذا مطرد مع لفظة البعث حيث وقعت، وقد يكون السكون في الشخص أو عن الأمر المبعوث فيه وإن كان الشخص متحركا، وقوله لِنَعْلَمَ عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود، وهذا على نحو كلام العرب أي لنعلم ذلك موجودا، وإلا فقد كان الله تعالى علم أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أحصى الأمد وقرأ الزهري «ليعلم» بالياء، و «الحزبان» الفريقان، والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية، إذ ظنوا لبثهم قليلا، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية، وهذا قول الجمهور من المفسرين، وقالت فرقة: هما حزبان من الكافرين اختلفا في مدة أصحاب الكهف، وقالت فرقة:
هما حزبان من المؤمنين، وهذا لا يرتبط من ألفاظ الآية، وأما قوله أَحْصى فالظاهر الجيد فيه أنه فعل ماض، وأَمَداً منصوب به على المفعول، و «الأمد» الغاية، وتأتي عبارة عن المدة من حيث للمدة غاية هي أمدها على الحقيقة، وقال الزجاج: أَحْصى هو أفعل، وأَمَداً على هذا نصب على التفسير، ويلحق هذا القول من الاختلال أن أفعل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ، وأَحْصى فعل رباعي، ويحتج لقول أبي إسحاق بأن أفعل من الرباعي قد كثر، كقولك ما أعطاه للمال، وآتاه للخير، وقال النبي عليه السلام في صفه جهنم:«هي أسود من القار» وقال في صفة حوضه عليه السلام «ماؤه أبيض من اللبن» وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «فهو لما سواها أضيع» وهذه كلها أفعل من الرباعي، وقال مجاهد:
أَمَداً معناه عددا، وهذا تفسير بالمعنى على جهة التقريب، وقال الطبري: نصب أَمَداً ب لَبِثُوا، وهذا غير متجه.