أنهم كانوا من أبناء الأشراف فحضر عيد لأهل المدينة فرأى الفتيان ما يمتثله الناس في ذلك العيد من الكفر وعبادة الأصنام والذبح لها، فوقع الإيمان في قلوبهم وأجمعوا على مفارقة الناس لئلا ينالهم العذاب معهم، فزايلوا الناس، وذهبوا إلى الكهف، وروى وهب بن منبه أن أمرهم إنما كان أن حواريا لعيسى ابن مريم، جاء إلى مدينة أصحاب الكهف يريد دخولها، فآجر نفسه من صاحب الحمام فكان يعمل فيه، فرأى صاحب الحمام في أعماله بركة عظيمة فألقى إليه بكل أمره، وعرف ذلك الرجل فتيان من أهل المدينة، فنشر فيهم الإيمان وعرفهم الله تعالى، فآمنوا واتبعوه على دينه، واشتهرت خلطتهم به، فأتى يوما إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة بغي أراد الخلوة بها، فنهاه ذلك الحواري فانتهى، ثم جاءه مرة أخرى فنهاه فشتمه وأمضى عزمه في دخول الحمام مع البغي، فدخل فماتا فيه جميعا، فاتهم ذلك الحواري وأصحابه بقتله، ففروا جميعا حتى دخلوا الكهف، وقال عبيد بن عمير: إن أصحاب الكهف كانوا فتية أبناء العظماء مطوقين مسورين ذوي ذوائب قد داخلهم الإيمان أفذاذا، وأزمع واحد منهم الفرار بدينه من بلد الكفر، فأخرجهم الله في يوم واحد لما أراده بهم، فخرج أحدهم فجلس في ظل شجرة على بعد من المدينة، فخرج ثان، فلما رأى الجالس جلس إليه، ثم الثالث ثم الباقون حتى كمل جميعهم في ظل الشجرة، فألقى الله في نفوسهم أن غرضهم واحد، فتساءلوا، ففزع بعضهم من بعض وتكتموا، ثم تراضوا برجلين منهم، وقالوا لنفرد أو تواثقا وليفش كل واحد منكما سره إلى صاحبه، فإن اتفقتما كنا معكما، فنهضا بعيدا وتكلما فأفصحا بالإيمان والهروب بالدين فرجعا وفضحا الأمر وتابعهما الآخرون ونهضوا إلى الكهف، وأما الكلب فروي أنه كان كلب صيد لبعضهم، وروي أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم، وذهب الكلب معهم، واسم الكلب حمران، وقيل قطير، فدخلوا الغار على جميع هذه الأقوال فروت فرقة أن الله عز وجل «ضرب على آذانهم» عند ذلك لما أراده من سترهم، وخفي على أهل المملكة مكانهم، وعجب الناس من غرابة فقدهم، فأرخوا ذلك ورقموه
في لو حين من رصاص أو نحاس، وجعلوه على باب المدينة فيه أسماؤهم وأسماء آبائهم وذكر شرفهم، وأنهم فقدوا بصورة كذا في وقت كذا، وقيل إن الذي كتب هذا وتهمم به رجلان قاضيان مؤمنان يكتمان إيمانهما من أهل بيت المملكة، وتسترا بذلك ودفنا اللوحين عندهما: وقيل على الرواية بأن الملك أتى باب الغار، وأنهما دفنا ذلك في بناء الملك على الغار، وروت فرقة أن الملك لما ذهب الفتية أمر بقص آثارهم، فانتهى ذلك بمتبعيهم إلى باب الغار، فعرف الملك، فركب في جنده حتى وقف عليه، فأمر بالدخول عليهم فهاب الرجال ذلك، فقال له بعض وزرائه ألست أيها الملك إن أخرجتهم قتلتهم، قال نعم، قال فأي قتلة أبلغ من الجوع والعطش، ابن عليهم باب الغار ودعهم يموتوا فيه، ففعل، وقد «ضرب الله على آذانهم» قبل ذلك لما أراد من تأمينهم، وأرخ الناس أمرهم في اللوحين، أو أرخه الرجلان بحسب الخلاف، واسم أحد الرجلين فيما ذكر الطبري بندروس، واسم الآخر روناس، وروي أن هذا الملك الذي فر الفتية من دينه، كان قد امتحن الله به المؤمنين حيث أحس بهم، يقتلهم ويعلقهم أشخاصا ورؤوسا على أسوار مدينته، وكان يريد أن يذهب فيما ذكر، دين عيسى، وكان هو وقومه من الروم، ثم أخبر الله تعالى عن الفتية أنهم لما أووا إلى الكهف أي دخلوه وجعلوه مأوى لهم وموضع اعتصام، دعوا الله تعالى بأن يؤتيهم من عنده رحمة، وهي الرزق فيما ذكر