وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم:«كاشفات ضرّه» بالتنوين والنصب في الراء، وهي قراءة شيبة والحسن وعيسي بخلاف عنه وعمرو بن عبيد، وهذا هو الوجه فيما لم يقع بعد، وكذلك الخلاف في: مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ.
ثم أمره تعالى بأن يصدع بالاتكال على الله، وأنه حسبه من كل شيء ومن كل ناصر، ثم أمره بتوعدهم في قوله: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ ما رأيتموه متمكنا لكم وعلى حالتكم التي استقر رأيكم عليها.
وقرأ الجمهور:«مكانتكم» بالإفراد. وقرأ «مكاناتكم» بالجمع: الحسن وعاصم.
وقوله: اعْمَلُوا لفظ بمعنى الوعيد. و «العذاب المخزي» : هو عذاب الدنيا يوم بدر وغيره.
و «العذاب المقيم» : هو عذاب الآخرة، أعاذنا الله تعالى منه برحمته.
هذا إعلام بعلو مكانة محمد عليه السلام واصطفاء ربه له. والْكِتابَ القرآن.
وقوله: بِالْحَقِّ يحتمل معنيين، أحدهما: أن يريد مضمنا الحق في أخباره وأحكامه، والآخر: أن يريد أنه أنزله بالواجب من إنزاله وبالاستحقاق لذلك لما فيه من مصلحة العالم وهداية الناس، وكأن هذا الذي فعل الله تعالى من إنزال كتاب إلى عبيده هو إقامة حجة عليهم، وبقي تكسبهم بعد إليهم، فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ عمل وسعى، وَمَنْ ضَلَّ «فعليها» جنى، والهدى والضلال إنما لله تعالى فيهما خلق واختراع، وللعبد تكسب، عليه يقع الثواب أو العقاب. وأخبر نبيه أنه ليس بوكيل عليهم ولا مسيطر، والوكيل: القائم على الأمر حتى يكمله، ثم نبه تعالى على آية من آياته الكبر تدل الناظر على الوحدانية وأن ذلك لا شرك فيه لصنم وهي حالة التوفي، وذلك أن الله تعالى ما توفاه على الكمال فهو الذي يموت، وما توفاه متوفيا غير مكمل فهو الذي يكون في النوم، قال ابن زيد: النوم وفاة، والموت وفاة. وكثرت فرقة في هذه الآية وهذا المعنى. ففرقت بين النفس والروح، وفرق قوم أيضا بين نفس التمييز ونفس التخيل، إلى غير ذلك من الأقوال التي هي غلبة ظن. وحقيقة الأمر في هذا هي مما استأثر الله به وغيبه عن عباده في قوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥] ويكفيك أن في هذه الآية يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ، وفي الحديث الصحيح:«إن الله قبض أرواحنا حين شاء وردها علينا حين شاء» في حديث بلال في الوادي، فقد نطقت الشريعة بقبض الروح والنفس في النوم وقد قال الله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي