للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصدرية، ولا يجوز أن تكون موصولة، لأن العائد الذي كان يلزم لم يكن بد أن يتضمنه: كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ، ولا يصح شيء من ذلك لأن «كان» قد استوفت خبرها ظاهرا، وهو تُعَلِّمُونَ وكذلك تُعَلِّمُونَ قد استوفى مفعوله وهو الْكِتابَ ظاهرا، فلم يبق إلا أن ما مصدرية، إذ لا يمكن عائد، وتُعَلِّمُونَ بمعنى تعرفون، فهي متعدية إلى مفعول واحد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «تعلمون» بسكون العين، وتخفيف اللام، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «تعلّمون» مثقلا، بضم التاء وكسر اللام، وهذا على تعدية الفعل بالتضعيف، والمفعول الثاني على هذه القراءة محذوف، تقديره: تعلمون الناس الكتاب.

قال الفقيه الإمام: والقراءتان متقاربتا المعنى، وقد رجحت قراءة التخفيف بتخفيفهم تَدْرُسُونَ وبأن العلم هو العلة التي توجب للموفق من الناس أن يكون ربانيا، وليس التعليم شرطا في ذلك، ورجحت الأخرى بأن التعليم يتضمن العلم، والعلم لا يتضمن التعليم، فتجيء قراءة التثقيل أبلغ في المدح.

قال الفقيه الإمام: ومن حيث العالم بحال من يعلم، فالتعليم كأنه في ضمن العلم، وقراءة التخفيف عندي أرجح، وقرأ مجاهد والحسن «تعلّمون» بفتح التاء والعين، وشد اللام المفتوحة، وقرأ جمهور الناس، «تدرسون» بضم الراء، من درس إذا أدمن قراءة الكتاب وكرره، وقرأ أبو حيوة «تدرسون» بكسر الراء، وهذا على أنه يقال في مضارع درس، يدرس ويدرس وروي عن أبي حيوة، أنه قرأ «تدرّسون» بضم التاء، وكسر الراء وشدها، بمعنى تدرسون غيركم.

قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٠ الى ٨١]

وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١)

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: «ولا يأمركم» برفع الراء، وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفا، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: «وَلا يَأْمُرَكُمْ» نصبا، ولا خلاف في الراء من قوله: أَيَأْمُرُكُمْ إلا اختلاس أبي عامر، فمن رفع قوله: «ولا يأمركم» ، فهو على القطع، قال سيبويه: المعنى ولا يأمركم الله، وقال ابن جريج وغيره: المعنى ولا يأمركم هذا البشر الذي أوتي هذه النعم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وفي قراءة ابن مسعود: «ولن يأمركم» ، فهذه قراءة تدل على القطع، وأما قراءة من نصب الراء، فهي عطف على قوله: أَنْ يُؤْتِيَهُ [آل عمران: ٧٩] والمعنى ولا له أن يأمركم، قاله أبو علي وغيره، وقال الطبري: قوله وَلا يَأْمُرَكُمْ بالنصب، معطوف على قوله، ثُمَّ يَقُولَ [آل عمران: ٧٩] .

قال الفقيه أبو محمد: وهذا خطأ لا يلتئم به المعنى، والأرباب في هذه الآية وقوله تعالى:

أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ تقرير على هذا المعنى الظاهر فساده.

وقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ الآية، المعنى واذكر يا محمد «إذ» ويحتمل أن يكون «أخذ» هذا الميثاق حين أخرج بني آدم من ظهر آدم نسما، ويحتمل أن يكون هذا الأخذ على كل نبي في زمنه ووقت بعثه، ثم جمع اللفظ في حكاية الحال في هذه الآية، والمعنى: أن الله تعالى أخذ ميثاق كل نبي بأنه يلتزم هو ومن آمن به، الإيمان بمن أوتي بعده من الرسل، الظاهرة براهينهم والنصرة له، واختلف

<<  <  ج: ص:  >  >>