اجْتَباهُ معناه تخيره واصطفاه، و «تاب عليه» معناه رجع به من حال المعصية إلى حال الندم وهداه لصلاح الأقوال والأعمال وأمضى عقوبته عز وجل في إهباطه من الجنة. وقوله اهْبِطا مخاطبة لآدم وحواء، ثم أخبرهما بقوله جَمِيعاً أن إبليس والحية يهبطان معهما وأخبرهما بأن العداوة بينهم وبين أنسالهم إلى يوم القيامة. وعَدُوٌّ يوصف به الواحد والاثنان والجميع، وقوله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً شرط وجوابه في قوله فَمَنِ اتَّبَعَ وما بعده إلى آخر القسم الثاني. و «الهدى» معناه دعوة شرعي ثم أعلمهم أنه من اتبع هداه وآمن به فإنه «لا يضل» في الدنيا وَلا يَشْقى في الآخرة، وأن مَنْ أَعْرَضَ عن ذكر الله وكفر به فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً والضنك النكد الشاق من العيش أو المنازل أو مواطن الحرب ونحو هذا، ومنه قول عنترة وإن نزلوا بضنك أنزل، وصف به الواحد والجمع ذلك من وعيد لهم ثم أخبر عن حالة أخرى هي أيضا في يوم القيامة وهي حشرهم عميا، ثم يجيء قوله وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى [طه: ١٢٧] معنى هذا الذي ذكرناه من المعيشة والعمى ونحوه هو عذابه في الآخرة وهو أَشَدُّ وَأَبْقى [طه: ١٢٧] من كل ما يقع عليه الظن والتخيل، فكأنه ذكر نوعا من عذاب الآخرة ثم أخبر أن عذاب الآخرة أشد وأبقى. وقرأت فرقة «ونحشره» بالنون، وقرأت فرقة «ويحشره» بالياء وقرأت فرقة «ويحشره» بسكون الراء، وقرأت فرقة «أعمى» بالإمالة، وقالت فرقة العمى هنا هو عمى البصيرة عن الحجة.
قال القاضي أبو محمد: ولو كان هذا لم يخش الكافر لأنه كان أعمى البصيرة ويحشر كذلك، وقالت فرقة العمى عمى البصرع وهذا هو الأوجه مع أن عمى البصيرة حاصل في الوجهين، وأما قوله وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [طه: ١٠٢] فمن رآه في العينين فلا بد أن يتأول فيها مع هذه إما أنها في طائفتين أو في موطنين، وقوله تعالى: كَذلِكَ أَتَتْكَ ذلك إشارة إلى العمى الذي حل به، أي مثل هذا في الدنيا أن أَتَتْكَ آياتُنا