كنتم من الله تعالى بهذه المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الحسية أحب إليكم فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إن كنتم تعتقدون في أنفسكم هذه المنزلة، أخبر تعالى عنهم بأنهم لا يتمنونه ولا يلقونه إلا كرها لعلمهم بسوء حالهم عند الله وبعدهم منه. هذا هو المعنى اللازم من ألفاظ الآية، وروى كثير من المفسرين أن الله تعالى جعل هذه الآية معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيهم، وآية باهرة، وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودة مات وفارق الدنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تمنوا الموت» على جهة التعجيز وإظهار الآية، فما تمناه أحد خوفا من الموت، وثقة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، ثم توعدهم تعالى بالموت الذي لا محيد لهم عنه، ثم بما بعده من الرد إلى الله تعالى، وقرأ ابن مسعود:«منه ملاقيكم» بإسقاط فَإِنَّهُ، وقوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ أي إنباء معاقب مجاز عليه بالتعذيب، وقرأ ابن أبي إسحاق «فتمنوا الموت» بكسر الواو وكذلك يحيى بن يعمر.
«النداء بالجمعة» هو في ناحية من المسجد، وكان على الجدار في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال السائب بن يزيد: كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن واحد على باب المسجد، وفي مصنف أبي داود: كان بين يديه وهو على منبر أذان، وهو الذي استعمل بنو أمية، وبقي بقرطبة إلى الآن، ثم زاد عثمان النداء على الزوراء ليسمع الناس، فقوم عبروا عن زيادة عثمان بالثاني، كأنهم لم يعتدوا الذي كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقوم عبروا عنه بالثالث، وقرأ الأعمش وابن الزبير:«الجمعة» بإسكان الميم وهي لغة، والمأمور بالسعي هو المؤمن الصحيح البالغ الحر الذكر، ولا جمعة على مسافر في طاعة، فإن حضرها أحسن، وأجزأته.
واختلف الناس في الحد الذي يلزم منه السعي، فقال مالك: ثلاثة أميال.
قال القاضي أبو محمد: من منزل الساعي إلى المنادي، وقال فريق: من منزل الساعي إلى أول المدينة التي فيها النداء، وقال أصحاب الرأي: يلزم أهل المدينة كلها السعي من سمع النداء ومن لم يسمع، وإن كانت أقطارها فوق ثلاثة أميال. قال أبو حنيفة: ولا من منزله خارج المدينة كزرارة من الكوفة، وإنما بينهما مجرى نهر، ولا يجوز لهم إقامتها لأن من شروطها الجامع والسلطان القاهر، والسوق القائمة، وقال بعض أهل العلم: يلزم السعي من خمسة أميال، وقال الزهري: من ستة أميال، وقال أيضا: من أربعة