أميال وقاله ابن المنكدر، وقال ابن عمر وابن المسيب وابن حنبل: إنما يلزم السعي من سمع النداء، وفي هذا نظر. والسعي في الآية: ليس الإسراع في المشي كالسعي بين الصفا والمروة، وإنما هو بمعنى قوله:
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم: ٣٩] ، فالقيام والوضوء ولبس الثوب والمشي سعي كله إلى ذكر الله تعالى، قال الحسن وقتادة ومالك وغيرهم: إنما تؤتى الصلاة بالسكينة، فالسعي هو بالنية والإرادة، والعمل والذكر هو وعظ الخطبة قاله ابن المسيب، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الملائكة على باب المسجد يوم الجمعة يكتبون الأول فالأول إذا خرج الإمام طويت الصحف وجلست الملائكة يستمعون الذكر» ، والخطبة عند جمهور العلماء شرط في انعقاد الجمعة، وقال الحسن: وهي مستحبة، وقرأ عمر بن الخطاب، وعلي وأبي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، وجماعة من التابعين:«فامضوا إلى ذكر الله» ، وقال ابن مسعود: لو قرأت «فاسعوا» لأسرعت حتى يقع ردائي.
واختلف الناس في:«البيع» في الوقت المنهي عنه إذا وقع ما الحكم فيه بعد إجماعهم على وجوب امتناعه بدءا، فقال الشافعي: يمضي، وقال مرة: يفسخ ما لم يفت فإن فات صح بالقيمة، واختلف في وقت التقويم، فقيل: وقت القبض، وقيل: وقت الحكم، وقوله تعالى: ذلِكُمْ إشارة إلى السعي وترك البيع، وقوله: فَانْتَشِرُوا أجمع الناس على أن مقتضى هذا الأمر الإباحة، وكذلك قوله تعالى:
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أنه الإباحة في طلب المعاش، وأن ذلك مثل قوله تعالى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة: ٢] إلا ما روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذلك الفضل المبتغى هو عيادة مريض أو صلة صديق أو اتباع جنازة» .
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا ينبغي أن يكون المرء بقية يوم الجمعة، ويكون نحوه صبيحة يوم السبت، قاله جعفر بن محمد الصادق، وقال مكحول: الفضل المبتغي العلم، فينبغي أن يطلب إثر الجمعة، وقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عير من الشام تحمل ميرة وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي، قال مجاهد: وكان من عرفهم أن يدخل عير الميرة بالطبل والمعازف والصياح سرورا بها، فدخلت العير بمثل ذلك، فانفض أهل المسجد إلى رؤية ذلك وسماعه وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر ولم يبق معه غير اثني عشر رجلا. قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم.
قال القاضي أبو محمد: ولم تمر بي تسميتهم في ديوان فيما أذكر الآن، إلا إني سمعت أبي رضي الله عنه يقول: هم العشرة المشهود لهم بالجنة، واختلف في الحادي عشر، فقيل: عمار بن ياسر، وقيل:
عبد الله بن مسعود، وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي: بقي معه ثمانية نفر، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لولا هؤلاء لقد كانت الحجارة سومت على المنفضين من السماء» ، وفي حديث آخر:
«والذي نفس محمد بيده، ولو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد، أسال عليكم الوادي نارا» . وقال قتادة:
بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات، لأن قدوم العير كان يوافق يوم الجمعة يشبه أن المراحل كانت تعطي