للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرو: يَغْفِرْ لَكُمْ بالإدغام، ولا يجيز ذلك الخليل وسيبويه، لأن الراء حرف مكرر، فإذا أدغم في اللام ذهب التكرير واختل المسموع. وقوله تعالى: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى مما تعلق المعتزلة به في قولهم: إن للإنسان أجلين، وذلك أنهم قالوا: لو كان واحدا محدودا لما صح التأخير، إن كان الحد قد بلغ ولا المعاجلة إن كان الحد لم يبلغ.

قال القاضي أبو محمد: وليس لهم في الآية تعلق، لأن المعنى أن نوحا عليه السلام، لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل؟ ولا قال لهم: إنكم تؤخرون عن أجل قد حان لكم، لكن قد سبق في الأزل أنهم إما ممن قضى لهم بالإيمان والتأخير وإما ممن قضي عليه بالكفر والمعاجلة، فكأن نوحا عليه السلام قال لهم: آمنوا يبين لكم أنكم ممن قضي لهم بالإيمان والتأخير، وإن بقيتم فسيبين لكم أنكم ممن قضي عليه بالكفر والمعاجلة ثم تشدد هذا المعنى ولاح بقوله: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ. وقد حكى مكي القول بالأجلين ولم يقدره قدره، وجواب لَوْ، مقدر يقتضيه اللفظ كأنه قال: فما كان أحزمكم أو أسرعكم إلى التوبة لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

قوله عز وجل:

[سورة نوح (٧١) : الآيات ٥ الى ١١]

قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩)

فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١)

هذه المقالة قالها نوح عليه السلام بعد أن طال عمره وتحقق اليأس عن قومه، وقوله: لَيْلًا وَنَهاراً عبارة عن استمرار دعائه، وأنه لم ين فيه قط، ويروى عن قتادة أن نوحا عليه السلام كان يجيئه الرجل من قومه بابنه فيقول: احذر هذا الرجل فإن أبي حذرني إياه، ويقول له إنه مجنون. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «دعائي إلا» بالهمز وفتح الياء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: «دعاي» بسكون الياء دون همز، وروى شبل عن ابن كثير: بنصب الياء دون همز مثل هداي، وقرأ عاصم أيضا وسلام ويعقوب: بهمز وياء ساكنة. وقوله: وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ معناه: ليؤمنوا فيكون ذلك سبب الغفران. وقوله تعالى: جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ يحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون عبارة عن إعراضهم، وشدة رفضهم لأقواله، وكذلك قوله: اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ معناه: جعلوها أغشية على رؤوسهم، والإصرار الثبوت على معتقد ما، وأكثر استعماله في الذنوب، ثم كرر عليه السلام صفة دعائه لهم بيانا وتأكيدا وجهارا يريد علانية في المحافل، والإسرار ما كان من دعاء الأفراد بينه وبينهم على انفراد، وهذا غاية الجد. وقوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ يُرْسِلِ السَّماءَ يقتضي أن الاستغفار سبب لنزول المطر في كل أمة. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى بالناس فلم يزد على أن استغفر ساعة ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>