وقال بعض اللغويين: السحر من ثلث الليل الآخر إلى الفجر.
قال الفقيه الإمام: والحديث في التنزل وهذه الآية في الاستغفار يؤيدان هذا، وقد يجيء في أشعار العرب ما يقتضي أن حكم السحر يستمر فيما بعد الفجر نحو قول امرئ القيس: [المتقارب]
يعلّ به برد أنيابها ... إذا غرّد الطّائر المستحر
يقال: أسحر واستحر إذا دخل في السحر، وكذلك قولهم: نسيم السحر، يقع لما بعد الفجر، وكذلك قول الشاعر: [ربيع بن زياد]
تجد النساء حواسرا يندبنه ... قد قمن قبل تبلج الأسحار
فقد قضى أن السحر يتبلج بطلوع الفجر، ولكن حقيقة السحر في هذه الأحكام الشرعية من الاستغفار المحمود، ومن سحور الصائم، ومن يمين لو وقعت إنما هي من ثلث الليل الباقي إلى السحر.
قوله تعالى:
[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٨]]
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
أصل شَهِدَ في كلام العرب حضر، ومنه قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:
١٨٥] ثم صرفت الكلمة حتى قيل في أداء ما تقرر علمه في النفس بأي وجه تقرر من حضور أو غيره: شهد يشهد فمعنى شَهِدَ اللَّهُ أعلم عباده بهذا الأمر الحق وبينه، وقال أبو عبيدة: شَهِدَ اللَّهُ معناه، قضى الله وهذا مردود من جهات، وقرأ جميع القراء: أَنَّهُ لا إِلهَ بفتح الألف من أَنَّهُ وبكسرها من قوله: إِنَّ الدِّينَ [آل عمران: ١٩] واستئناف الكلام، وقرأ الكسائي وحده «أن الدين» بفتح الألف، قال أبو علي:
«أن» بدل من أَنَّهُ الأولى، وإن شئت جعلته من بدل الشيء من الشيء وهو هو، لأن الإسلام هو التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلت «إن الدين» بدلا من القسط لأنه هو في المعنى، ووجه الطبري هذه القراءة، بأن قدر في الكلام واو عطف ثم حذفت وهي مرادة كأنه قال: وَإِنَّ الدِّينَ [آل عمران: ١٩] وهذا ضعيف، وقرأ عبد الله بن العباس:
«إنه لا إله إلا هو» بكسر الألف من «إنه» ، وقرأ «أن الدين» بفتح الألف، فأعمل شَهِدَ في «أن الدين وجاء قوله: «إنه لا إله إلا هو» اعتراضا جميلا في نفس الكلام المتصل، وتأول السدي الآية على نحو قراءة ابن عباس فقال: الله وملائكته والعلماء يشهدون: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار، «شهداء الله» على وزن فعلاء، وبالإضافة إلى المكتوبة، قال أبو الفتح، هو نصب على الحال من الضمير في الْمُسْتَغْفِرِينَ [آل عمران: ١٧] وهو جمع شهيد أو جمع شاهد كعالم وعلماء، وروي عن أبي المهلب هذا أنه قرأ «شهد الله» برفع الشهداء، وروي عنه أنه قرأ «شهد» الله» على وزن- فعل- بضم الفاء والعين ونصب شهداء على الحال، وحكى النقاش أنه قرىء «شهد