للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]

وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)

كَمْ للتكثير وهي خبرية، المعنى كثيرا أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ. والقرن: الأمة من الناس الذين يمر عليهم قدر من الزمن. واختلف الناس في ذلك القدر، فقال الجمهور: مائة سنة، وقيل غير هذا، وقد تقدم القول فيه غير مرة. وشدة البطش: هي كثرة القوة والأموال والملك والصحة والأدهان إلى غير ذلك.

وقرأ جمهور من الناس: «فنقّبوا» بشد القاف المفتوحة على إسناد الفعل إلى القرون الماضية، والمعنى: ولجوا البلاد من أنقابها. وفي الحديث: «أن على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال» . والمراد تطوفوا ومشوا طماعين في النجاة من الهلكة ومنه قول الشاعر [امرؤ القيس] : [الوافر]

وقد نقبت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب

ومنه قول الحارث بن حلزة: [الخفيف]

نقبوا في البلاد من حذر الموت ... وجالوا في الأرض كل مجال

وقرأ ابن يعمر وابن عباس ونصر بن سيار وأبو العالية: «فنقّبوا» بشد القاف المكسورة على الأمر لهؤلاء الحاضرين.

و: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ توقيف وتقرير، أي لا محيص، والمحيص: المعدل موضع الحيص وهو الروغان والحياد، قال قتادة: حاص الكفرة فوجدوا أمر الله منيعا مدركا، وفي صدر البخاري فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب. وقال ابن عبد شمس في وصف ناقته: [الوافر]

إذا حاص الدليل رأيت منها ... جنوحا للطريق على اتساق

وقرأ أبو عمرو في رواية عبيد عنه: «فنقبوا» بفتح القاف وتخفيفها هي بمعنى التشديد، واللفظة أيضا قد تقال بمعنى البحث والطلب، تقول: نقب عن كذا أي استقصى عنه، ومنه نقيب القوم لأنه الذي يبحث عن أمورهم ويباحث عنها، وهذا عندي تشبيه بالدخول من الأنقاب.

وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ يعني إهلاك من مضى، والذكرى: التذكرة، والقلب: عبارة عن العقل إذ هو محله. والمعنى: لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ واع ينتفع به. وقال الشبلي معناه: قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين.

<<  <  ج: ص:  >  >>