المعنى وقال لقمان يا بُنَيَّ، وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه، لأن «الخردلة» يقال إن الحس لا يقدر لها ثقلا إذ لا ترجح ميزانا، وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بها علما. وقوله مِثْقالَ حَبَّةٍ عبارة تصلح للجواهر، أي قدر حبة، وتصلح للأعمال أي ما تزنه على جهة المماثلة قدر حبة، وظاهر الآية أنه أراد شيئا من الأشياء خفيا قدر حبة، ويؤيد ذلك ما روي من أن ابن لقمان سأل أباه عن الحبة تقع في مقل البحر يعلمها الله، فراجعه لقمان بهذه الآية. وذكر كثير من المفسرين أنه أراد الأعمال المعاصي والطاعات، ويؤيد ذلك قوله يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أي لا تفوت، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف منضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى، وفي القول الآخر ليس ترجية ولا تخويف. ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر قراءة عبد الكريم الجزري «فتكنّ» بكسر الكاف وشد النون من الكن الذي هو الشيء المغطى، وقرأ جمهور القراء «إن تك» بالتاء من فوق «مثقال» بالنصب على خبر «كان» واسمها مضمر تقديره مسألتك على ما روي، أو المعصية أو الطاعة على القول الثاني. ولهذا المقدر هو الضمير في إِنَّها. وقرأ نافع وحده بالتاء أيضا «مثقال» بالرفع على اسم «كان» وهي التامة، وأسند إلى المثقال فعلا فيه علامة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه وهذا كقول الشاعر:[الطويل]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مرّ الرياح النواسم
وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر. وقوله فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، قيل أراد الصخرة التي عليها الأرض والحوت والماء وهي على ظهر ملك وقيل هي صخرة في الريح.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف لا يثبته سند، وإنما معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم، أي أن قدرته تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء وفي الأرض. وقرأ قتادة «فتكن» بكسر الكاف والتخفيف من وكن يكن، وتقدمت قراءة عبد الكريم «فتكنّ» . وقوله يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إن أراد الجواهر فالمعنى يَأْتِ بِهَا إن احتيج إلى ذلك أو كانت رزقا ونحو هذا، وإن أراد الأعمال فمعناه يَأْتِ بذكرها وحفظها فيجازي عليها بثواب أو عقاب. ولَطِيفٌ خَبِيرٌ صفتان لائقتان بإظهار غرائب